دفاعًا عن معاوية بن أبي سفيان.. خال المؤمنين وخير ملوك المسلمين
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد؛
فلا شك أن شخصية الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضى الله عنهما، قد نالها الكثير من الطعن والتشويه والافتراء والظلم، وقدساعد على ذلك انتشار كثير من المرويات التاريخية الضعيفة أو المكذوبة على معاوية بن أبي سفيان، وكذلك وقوع بعض الأحداث الجسام التي لم يُحسن البعض قراءتها أو تحليلها، كموقعة صفين وكذا مسألة توريث معاوية الملك لابنه يزيد.
ومن المعلوم أن الطعن في الصحابة رضي الله عنهم طعن في الدين؛ لأن الدين قد أتانا عن طريقهم، ومن هذا المنطلق كان لابد من الدفاع عن معاوية.
معاوية بن أبي سفيان هو خال المؤمنين:
فقد أطلق بعض أهل العلم لقب ” خال المؤمنين ” على معاوية، باعتبار أن أخته أم حبيبة أم المؤمنين رضي الله عنها،وقد سُئل الإمام أحمد رحمه الله تعالى عن إطلاق هذا اللقلب على معاوية وابن عمر رضي الله عنهما، فأجاب” نعم، معاوية أخو أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وابن عمر أخو حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وعن هارون بن عبد الله أنه قال لأبي عبد الله – أحمد بن حنبل – : جاءني كتاب من ” الرَّقَّةِ” أن قوماً قالوا : لا نقول معاوية خال المؤمنين ، فغضب، وقال: ما اعتراضهم في هذا الموضع ؟ يُجْفَوْن حتى يتوبوا([1]).
ثناء الرسول صلى الله عليه وسلم على معاوية رضي الله عنه ودعائه له:
قد ورد الخبر بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لمعاوية رضي الله عنه، فقد جاء في فضائل معاوية رضي الله عنه أنه لما تولى أمر الناس كانت نفوسهم لا تزال مشتعلة عليه؛ فقالوا: كيف يتولى معاوية وفي الناس من هو خير مثل الحسن والحسين؟ فقال عبد الرحمن بن أبي عُميرة ،لا تذكروه إلا بخير فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “اللهم اجعله هاديًا مهديًا وَاهْدِ به”([2])، أي: هَادِيًا لِلنَّاسِ أَوْ دَالًّا عَلَى الْخَيْرِ، ومَهْدِيًّا أَيْ مُهْتَدِيًا فِي نَفْسِهِ.
وثَبَتَ أن النبيَّ – صلى الله عليه وآله وسلم – دعا لمعاوية فقال: اللهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ وَالْحِسَابَ، وقِهِ الْعَذَابَ([3]).
وقد كان لمعاوية رضي الله عنه، شرف قيادة أول حملة بحرية، وهي التي شبهها رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم بالملوك على الأَسِرَّة؛ فقد روى البخاري في صحيحه من طريق أنس بن مالك عن خالته أم حرام بنت ملحان قالت: نام النبي صلى الله عليه وسلم يومًا قريبًا مني، ثم استيقظ يبتسم، فقلت: ما أضحك؟ قال: أناس من أمتي عرضوا عليَّ يركبون هذا البحر الأخضر كالملوك على الأسرة، قالت: فادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها، ثم نام الثانية، ففعل مثلها فقالت قولها، فأجابها مثلها، فقالت: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: أنت من الأولين، فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازيًا أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية رضي الله عنه، فلما انصرفوا من غزوتهم قافلين فنزلوا الشام، فَقُرِّبَت إليها دابة لتركبها فصرعتها فماتت، قال ابن حجر معلقًا على رؤيا رسول الله صلى الله عليه سلم قوله: (ناس من أمتي عرضوا عليَّ غزاة…) يشعر بأن ضحكه كان إعجابًا بهم، فرحًا لما رأى لهم من المنزلة الرفيعة. وأخرج البخاري ـ أيضًا ـ من طريق أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا.قالت أم حرام: قلت: يا رسول الله أنا فيهم؟ قال: أنتِ فيهم، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم ” أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر ـ أي القسطنطينية ـ مغفور لهم” فقلت: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: لا. ومعنى أوجبو: أي فعلوا فعلاً وجبت لهم به الجنة. قال ابن حجر في الفتح : ومن المتفق عليه بين المؤرخين أن غزو البحر وفتح جزيرة قبرص كان في سنة 27 هـ في إمارة معاوية رضي الله عنه على الشام أثناء خلافة عثمان رضي الله عنه.
معاوية من كتبة الوحي:
فعن ابن عباس قال: ” قال لي النبي صلى الله عليه وسلم:” ادع لي معاوية، وكان كاتبه ” ([4])، وفي رواية عند البيهقي وغيره : ” وكان يكتب الوحي ” ، فصرح بالوحي. وقال الذهبي : ” وَقَدْ صَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ أَلْعَبُ، فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: ” ادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ “، وَكَانَ يَكْتُبُ الْوَحْيَ “([5]).
وبهذا يُعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأتمنه على وحي السماء.
مآثر وفضائل معاوية وثناء الصحابة والعلماء عليه:
لقد أثنى كثير من الصحابة والعلماء على معاوية في حياته وبعد مماته، ويروي الطبري مرفوعًا إلى عبد الله بن عباس قوله: “ما رأيت أحدًا أخلق للملك من معاوية، إن كان ليرد الناس منه على أرجاء وادٍ رَحْب”.
أما عن ولاية معاوية فعمر ولاه، وجمع له الشامات كلها، وأقرّه عثمان بل إنما ولاه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وجعله خليفة لأخيه يزيد بن أبي سفيان على الجيش الخارج لحرب الروم في الشام.
يقول محب الدين الخطيب معلقًا على أثر ابن عباس ” ما رأيت رجلًا أخلق بالملك من معاوية ” وهل يكون الرجل أخلق الناس بالملك إلا أن يكون عادلًا حكيمًا، يحسن الدفاع عن ملكه، ويستعين الله في نشر دعوة الله في الممالك الأخرى، ويقوم بالأمانة في الأمة التي ائتمنه الله عليها؟ والذي يكون أخلق الناس بالملك هل يلام عثمان على توليته؟.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة والْجَوَابُ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ إِنَّمَا وَلَّاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا مَاتَ أَخُوهُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَلَّاهُ عُمَرُ مَكَانَ أَخِيهِ. وَاسْتَمَرَّ فِي وِلَايَةِ عُثْمَانَ، وَزَادَهُ عُثْمَانُ فِي الْوِلَايَةِ. وَكَانَتْ سِيرَةُ مُعَاوِيَةَ مَعَ رَعِيَّتِهِ مِنْ خِيَارِ سِيَرِ الْوُلَاةِ، وَكَانَتْ رَعِيَّتُهُ يُحِبُّونَهُ.وَ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: “خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ، وَشَرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ ” وَإِنَّمَا ظَهَرَ الْإِحْدَاثُ مِنْ مُعَاوِيَةَ فِي الْفِتْنَةِ لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ، وَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ كَانْتِ الْفِتْنَةُ شَامِلَةً لِأَكْثَرِ النَّاسِ، لَمْ يَخْتَصَّ بِهَا مُعَاوِيَةُ، بَلْ كَانَ مُعَاوِيَةُ أَطْلَبَ لِلسَّلَامَةِ مِنْ كَثِيرٍ مِنْهُمْ، وَأَبْعَدَ عَنِ الشَّرِّ مِنْ كَثِيرٍ مِنْهُمْ.أهـ ويقول ابن تيمية في موطن آخر: “فلم يكن من ملوك المسلمين ملك خيرًا من معاوية، إذا نُسِبَتْ أيامه إلى أيام من بعده، أما إذا نسبت إلى أيام أبى بكر وعمر ظهر التفاضل” و يقول ابن تيمية أيضًا: ” واتفق العلماء على أن معاوية أفضل ملوك هذه الأمة, فإن الأربعة قبله كانوا خلفاء نبوة وهو أول الملوك, كان ملكه ملكا ورحمة([6]).
وذكر ابن كثير فى- البداية والنهاية- أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال بعد رجوعه من صفين: أيها الناس لا تكرهوا إمارة معاوية؛ فإنكم لو فقدتموها رأيتم الرؤوس تَنْدُرُ عَنْ كَوَاهِلِهَا كَأَنَّهَا الْحَنْظَلُ.
وذُكِرَ عمر بن عبد العزيز عند الأعمش فقال: فكيف لو أدركتم معاوية؟ قالوا: في حلمه، قال: لاوالله، في عدله”([7]). وإليك شهادة الذهبي له: حيث يقول:”وحَسْبُك بمن يؤمِّره عمر ثم عثمان على إقليم فيضبطه،ويقوم به أتم قيام، ويُرضي الناس بسخائه وحلمه، فهذا الرجل ساد وساس العالم بكمال عقله وفَرْط حلمه وسعة نفسه، وقوه دهائه ورأيه”أ.هـ
ولذا نال معاوية شهادة حق من الصحابة والعلماء والصالحين بأنه كان أهلاً للإمارة والخلافة معًا، ومن أجل هذه الأهلية ظل أميرًا على الشام عشرين سنة، وخليفة للمسلمين ما يقرب من عشرين سنة فلم يهجه أحد في دولته بل دانت له الأمم، وحكم على العرب والعجم، وكان ملكه على الحرمين ومصر والشام والعراق وخراسان وفارس والجزيرة واليمن والمغرب وغير ذلك.
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: “تَذْكُرُونَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَدَهَاءَهُمَا وَعِنْدَكُمْ مُعَاوِيَةُ!”([8]) ويقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:” ما رأيت أحدًا أسود من معاوية قال: قلت: ولا عمر؟ قال: كان عمر خيرًا منه وكان معاوية أسود منه وفي رواية: مارأيت أحدًا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسود من معاوية. قيل ولا أبابكر؟ قال: كان أبو بكر وعمر وعثمان خيرًا منه, وهو أسود منهم ([9]).
بل وكان معاوية رضي الله عنه، فقيهًا يعتد الصحابة بفقهه واجتهاده؛
وكانت صلاته رضي الله عنه أشبه بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرُوي عن أبي الدرداء أنه قال: “ما رأيت أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من أميركم هذا ـ يعني معاوية. وروى البخاري في صحيحه في كتاب المناقب عن أبي مليكة قال: “أوتر معاوية بعد العشاء بركعة وعنده مولى لابن عباس؛ فأتى ابن عباس فأخبره، فقال: دعه؛ فإنه قد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية أخرى قيل لابن عباس: “هل لك في أمير المؤمنين معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة، قال: أصاب إنه فقيه”.
الفتوحات الإسلامية في عصر معاوية:
ما أكثر الفتوحات والانجازات التى تمت فى عهد عثمان بن عفان على يد معاوية رضى الله عنهما، ثم ما أكثر الفتوحات التى كانت فى خلافته.
إن استئناف حركة الجهاد في عهد معاوية رضى الله عنه لم تكن وليدة لحظة بل بدأها فى زمن ولايته على بلاد الشام وهي جبهة واسعة من جبهات الجهاد، ومعاوية مجاهد موفق في البر والبحر منذ عهد أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، وكان له فتوحاته الكبرى في الساحل الشمالي للشام، وكان له الفضل كذلك في تأسيس البحرية الإسلامية وهزيمة الروم في البحر وانتزاع السيادة منهم لأول مرة في تاريخ المسلمين، و كان معاوية رضي الله عنه يرى أن الخطر الأكبر من وجهة نظره الدولة البيزنطية، وإن كانت قد خسرت أهم أقاليمها في الشام ومصر، إلا أن عاصمتها القسطنطينية لا زالت باقية، وممتلكاتها في آسيا الصغرى وأوربا وشمال إفريقيا لا زالت شاسعة، فبعد أن أستقر الأمر لمعاوية بن أبي سفيان سنة 41 هـ خليفة للمسلمين باشر في تطوير الأسطول البحري ليكون قادراً على دك معاقل القسطنطينية عاصمة الروم ومبعث العدوان والخطر الدائم ضد المسلمين ([10]). وبدأ الخليفة نشاطه البحري بإرسال حملات بحرية استطلاعية منها حملة فضالة بن عبيد الأنصاري، للوقوف على تحركات الروم،و كان يرسل الحملات فى الشتاء والصيف وكان يضغط على الدولة البيزنطية من خلال الضغط على عاصمتها القسطنطينية ([11]). وعمل معاوية على تقوية الثغور البحرية في مصر والشام، فقد آثر أن يحصن المدن الساحلية ويزودها بالقوات المجاهدة بما يجعلها قواعد تنقل منها الجنود بحرًا إلى أي مكان يشاء، ووضع لهذه المدن نظامًا عرف بالرباط، وهو ما يقصد به الأماكن التي تتجمع بها الجند والركبان استعداداً للقيام بحملة على أرض العدو، واعتني بهذا النظام حتى أصبح جزءًا مرتبطًا أشد الارتباط بالجهاد، وبسط معاوية رضي الله عنه اهتمامه إلى سائر المدن الساحلية وقد بدأ ذلك بالسيطرة على جزيرة قبرص ثم رودس([12]) وغيرهما من الجزر الساحلية ، وقد بعث معاوية رضي الله عنه سنتي 47 و 48 هـ، سرايا من قواته لتغير على الأراضي البيزنطية لتمهد الطريق في سبيل الوصول إلى القسطنطينية،([13])، ولقد شهدت سنة 49 هـ أول حصار إسلامي لمدينة القسطنطينية، واستطاع معاوية رضي الله عنه أن يضيق الخناق على الدولة البيزنطية بالحملات المستمرة والاستيلاء على جزر رودس وأرواد ، وقد كان لجزيرة أرواد والتي تسميها المصادر الأوربية كزيكوس أهمية خاصة لقربها من القسطنطينية، حيث اتخذ منها الأسطول الإسلامي في حصاره الثاني للمدينة أو حرب السنين السبع من عام 54ه وحتى عام 60 هـ، قاعدة لعملياته الحربية، وذلك أن معاوية أعد أسطولًا ضخمًا، وأرسله ثانية لحصار القسطنطينية، وظل مرابطًا أمام أسوارها من سنة 54 هـ إلى سنة 60 هـ ([14]).
وقد اهتم معاوية كذلك بفتوحات الشمال الأفريقي فكانت جبهة شمال أفريقيا، من أولى الجبهات التي وجه إليها معاوية اهتمامه، لأنها تتاخم حدود مصر الغربية من ناحية ومن ناحية أخرى فهي تخضع لنفوذ الدولة البيزنطية، ففي أول سنة من حكمه 41 هـ أرسل معاويةُ رضى الله عنه، معاويةَ بن حديج ([15])على رأس حملة إلى إفريقيا ثم أرسله ثانية سنة 45 هـ على رأس حملة من عشرة الآف مقاتل، فمضى حتى دخل إفريقية ثم تم فتح مدينة جلولاء([16]) ثم كانت حركة الفتوحات بقيادة عقبة بن نافع القرشي الفهري و كان عقبة قد شارك في غزو إفريقية منذ البداية مع عمرو بن العاص واكتسب في هذا الميدان خبرات واسعة، وكان عمرو بن العاص قد خلفه على برقة عند عودته إلى الفسطاط، فظل فيها يدعو الناس إلى الإسلام، وقد جاء إسناد القيادة إلى عقبة بن نافع خطوة موفقة في طريق فتح شمال إفريقيا كله، فلما أسند إليه معاوية بن أبي سفيان قيادة الفتوحات في إفريقية، أرسل إليه عشرة آلاف فارس وانضم إليه من أسلم من البربر فكثر جمعه ([17])، وسار في جموعه حتى نزل بمغمداش من سرت ([18])،ثم واصل فتوحاته، فتح قصور كُوّار ([19])، وخاور ([20])، وغدامس ([21])، وغيرها ([22]) وفي عام 50 هـ، بدأت إفريقية الإسلامية عهدًا جديدًامع عقبة بن نافع الذى علم أن السبيل الوحيد للمحافظة على إفريقية ونشر الإسلام بين أهلها هو إنشاء مدينة تكون محط رحال المسلمين، ومنها تنطلق جيوشهم فأسس مدينة القيروان وبنى جامعها. ثم كانت هناك فتوحات كثيرة فى الجناح الشرقى للدولة، تمثلت فى خراسان وسجستان وما وراء النهر، فتم فتح مدينة زرنج ([23])، صلحًا ثم تقدموا نحو مدن خواش([24]) ، وبست، وخُشَّك ([25])، وغيرها من البلدان وتمكنوا من فتحها، كما تمكنوا من فتح مدينة كابل بعد أن ضربوا عليها حصاراً استمر لعدة أشهر([26]).
وما لبث أن جعل معاوية رضي الله عنه إقليم سجستان ولاية مستقلة وأمّر عليها عبد الرحمن بن سمرة كمكافأة له على تحقيقه مثل تلك الفتوحات ([27]). ثم تمكن المسلمون في عهد معاوية رضي الله عنه من بسط نفوذهم على ما وراء نهر السند، ففي سنة 44 هـ، غزا المهلب بن أبي صفرة ثغر السند فأتى بَنَّة ([28])، ولاهور، وهما بين المًلتان ([29])وكابل، ثم تم فتح بلاد القيقان([30]) وقُنْدُهار وغيرهما من البلدان ([31])،وهكذا كثرت الفتوحات الإسلامية فى عهد معاوية رضى الله عنه .
وقد تطورت صناعة السفن في عصر معاوية، حيث أمر معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، بإنشاء دار لصناعة السفن بالشام بمدينة عكا، وقد استقدم من مصر الخبراء للاستفادة منهم في دار الصناعة الجديدة، والتي تميزت بسهولة حصولها على الأخشاب من جبال لبنان([32]). ثم تطورت هذه الصناعة، فأنشأت في مصر منطقة صناعية جديدة، خاصة بصناعة السفن الحربية، وذلك عام (54 ه-674م).
وأخيرًا: هذا غيض من فيض حول فضائل ومآثر الصحابي الجليل معاوية خال المؤمنين وخير ملوك المسلمين، ولو أخطأ معاوية رضي الله في بعض المواطن والأحداث كما حدث في خلافه مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في موقعة صفين، أو في مسألة أخذ البيعة لابنه يزيد في حياته، فنقول لقد اجتهد معاوية حسب معطيات الواقع آنذاك، وغاية ما هنالك أن يُقال: لقد اجتهد معاوية فأخطأ في اجتهاده، ولا يعني هذا إهدار فضل معاوية رضي الله عنه، فله في الإسلام سعي مشكور وعمل مبرور وآثار حسنة. فرضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين.
قال سعيدُ بنُ المسيب: “من مات محبًّا لأبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ، وشهد للعشرة بالجنة، وترحَّم على معاوية، كان حقيقًا على الله ألاَّ يناقشه الحساب”([33]).
([1])” السنَّة ” للخلال ( 2 / 433 ).
([2]) أخرجه: أحمد والترمذي وابن سعد في الطبقات وصححه الألبانى .
([3]) رواه الطبراني وغيره وصححه الألباني بشواهده.
([4]) في مسند الإمام أحمد بسند صحيح.
([6]) ابن تيمية: منهاج السنة ومجموع الفتاوى.
([8]) الطبري: تاريخ الرسل والملوك(5/330).
([9]) ابن كثير:البداية والنهاية (11/ 430).ورواه أبو بكر بن الخلال فى السنة بسند صحيح، وأسود ،أى:أحكم ، والأسْوَدُ من الناس : أكثرهُم سيادة،انظر معجم المعانى.
([10])سليمان بن عبد الله السويكت :الحملة الأخيرة على القسطنطينية في العصر الأموي ،الناشر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، 1424هـ/2004م ص410.
([11]) ابن تغرى بردى: يوسف بن تغري بردي بن عبد الله الظاهري الحنفي، أبو المحاسن، جمال الدين (المتوفى: 874هـ) النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، الناشر: وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دار الكتب، مصر ،عدد الأجزاء: 16(1/ 134).
([12]) هي جزيرة يونانية في البحر الأبيض المتوسط. تقع بالقرب من الساحل الجنوبي لتركيا، في منتصف المسافة بين جزر اليونان الرئيسية وقبرص. تعد رودس أبعد الجزر الشرقية بالنسبة لليونان وبحر إيجة. تبعد عن غرب تركيا بحوالي 18 كلم تقريبا ،انظر:بوابة اليونان القديم .
([13])الطبري : تاريخ الرسل والملوك (6/ 148).
([14])عبد الشافي محمد عبد اللطيف: العالم الإسلامي في العصر الأموي، صـ351،
([15])حديج الكندي له صحبة ورواية قليلة عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد روي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كان في شيء شفاء فشربة عسل أو شرطة محجم، أو كية نار، وما أحب أن أكتوي ، وكان رضي الله عنه ملكاً مطاعاً من أشراف كندة ، وكان من خيرة الأمراء، سير أعلام النبلاء (3/ 37)
([16]) هنالك مدينتان تحملان هذا الاسم، إحداهما بفارس، بينها وبين خانقين سبعة فراسخ، وهي على طريق خراسان، وبها كانت الوقعة المشهورة بين المسلمين والفرس سنة 16 هـ، وهذه التي بإفريقيا بينها وبين القيروان أربعة وعشرون ميلاً ـ الحموي معجم البلدان (2/ 156).
([17]) ابن الأثير :الكامل في التاريخ (2/ 483).
([18]) سرت مدينة بين برقة وطرابلس، الحموي ،معجم البلدان (3/ 206) انظر:الخريطة رقم (8)ثبت الخرائط.
([19]) إقليم ببلاد السودان الغربي جنوب فزان ،معجم البلدان (4/ 486).
([20]) خاور: مدينة جنوب فزان،الحموى:معجم البلدان (2/142).
([21])غدامس: مدينة جنوب ليبيا قرب الحدود الجزائرية. وقيل هي مدينة بالمغرب ثم في جنوبيّه ضاربة في بلاد السودان بعد بلاد زافون ، الحموى:معجم البلدان(4/187).
([22])عبد الشافي محمد عبد اللطيف: العالم الإسلامي في العصر الأموي صـ280.
([23]) زرنج: مدينة كبيرة هي قصبة سجستان معجم البلدان (3/ 138).
([24]) خواش: مدينة بسجستان معجم البلدان (2/ 398).
([25]) خشك: بلدة من نواحي كابل ومعجم البلدان (2/ 373).
([26])البَلَاذُري :فتوح البلدان صـ395.
([27])البَلَاذُري :فتوح البلدان ص 396.
([28]) بَنَّة: مدينة بكابل، ياقوت: ومعجم البلدان (2/ 500).
([29]) المُلتان: بالضم، وسكون اللام، وتاء مثناة من فوقها، وآخره نون، وأكثر ما يكتب مولتان، بالواو:
هي مدينة من نواحي الهند قرب غزنة أهلها مسلمون منذ قديم.معجم البلدان (5/189).
([30]) القيقان: بلاد قرب طبرستان ،معجم البلدان (4/ 423).
([31])البَلَاذُري :المصدر السابق، صـ432.
([32]) محمد بن عبد الرزاق بن محمَّد، كُرْد عَلي، خطط الشام، الناشر: مكتبة النوري، دمشق ،الطبعة: الثالثة، 1403 هـ – 1983 م عدد الأجزاء: 6 (5/ 37).
([33]) ابن كثير: البداية والنهاية(8/148).