مقالات تاريخية

د. زين العابدين كامل: قتيبة بن مسلم وفتح أقاليم: الشاش وفرغانة وكاشغر

فتوحات قتيبة بن مسلم –  المرحلة الرابعة: من عام ( 94هـ – 96هـ ) فتح أقاليم: الشَّاش وَفَرْغَانَة وكَاشْغَر.

بقلم/ د. زين العابدين كامل

لقد وفق الله تعالى قتيبة في هذه المرحلة و فتح الله على يديه أقاليم الشاش وفرغانة وكاشغر ، وقد بدأ هذه المرحلة سنة 94هـ، حيث تحرك قتيبة في الصيف ومعه عشرون ألفاً من أهل بخارى وكش ونسف، وخوارزم ، وتوجه الجيش نحو الشاش وفرغانه، ووقع القتال بين الطرفين ، وكانت مقاومة الأتراك شديدة وشرسة في هذه البلاد، ومما يؤكد ذلك أن قتيبة كتب إلى الحجّاج يطلب مدداً، فأرسل إليه جيشاً من العراق، ثم أمر محمد بن القاسم الثقفي أن يوجه إليه من السند مدداً آخر، وهذا يدل على قوة المقاومة التي لقيها في أقاليم سيحون، كما يدل على قوة عزم المسلمين في الجهاد، واستطاع قتيبة بعد وصول مدد العراق والسند أن يخوض معارك قاسية، حتى ظفر وانتصر  وفتح أقاليم الشاش وفرغانة عام 95هـ ، وبعد أن أتم الله له هذا الفتح الكبير، جاءته الأخبار بموت الحجّاج في شوال في تلك السنة، فاغتم لموته، لما كان يجد منه من التأييد والتشجيع والمساندة وقفل راجعاً إلى مرو، لكنه ترك عددًا من القوات في بخارى وكش ونسف، وكان الخليفة الوليد بن عبد الملك يعرف طبيعة العلاقة الطيبة بين الحجّاج وقتيبة، وأن للحجّاج دوراً كبيراً في نجاح قتيبة في مهمته، فقدر وقوع نبأ موت الحجّاج عليه، لذلك واساه وأرسل إليه رسالة طيبة احتوت على ثناء وتزكية، قال له فيها:” قد عرف أمير المؤمنين بلاءك وجدك في جهاد أعداء المسلمين، وأمير المؤمنين رافعك وصانع بك الذي يجب لك، فأتمم مغازيك، وانتظر ثواب ربك، ولا تُغيب عن أمير المؤمنين كتبك، كأني أنظر إلى بلادك والثغر الذي أنت فيه “ولقد تركت تلك الرسالة أثراً طيباً في نفس قتيبة ورفعت من معنوياته، وأعطته دفعة قوية من العزم والتصميم ، فتوجه من مرو ليواصل فتوحاته، فقصد مدينة كاشغر التي يقول عنها الطبري: “إنها أدنى مدائن الصين” ([1]) ، ومع أن الوليد بن عبد الملك قد تُوفي في جمادي الآخرة سنة 96هـ، ووصل نبأ وفاته إلى قتيبة وهو في فرغانة، وقبل أن يصل إلى كاشغر، إلا أنه واصل سيره حتى فتحها، وهنا جاءه رسول ملك الصين يطلب منه أن يوجه إليه وفداً ليعرف خبرهم، يقول الإمام الطبري : ” أوغل قتيبة حتى قرب من الصين قال: فكتب اليه ملك الصين أن ابعث إلينا رجلا من أشراف من معكم يخبرنا عنكم، ونسائله عن دينكم فانتخب قتيبة من عسكره اثني عشره رجلا- وقال بعضهم: عشرة- من أفناء القبائل، لهم جمال وأجسام وألسن وشعور وبأس “، وهنا اختار قتيبة عشرة ـ وقيل اثني عشر من خيرة رجاله برئاسة هبيرة بن المشمرج الكلابي، فأرسلهم إلى ملك الصين، حيث قال لهم مهدداً فانصرفوا إلى صاحبكم، فقولوا له: ينصرف، فإني قد عرفت حرصه وقلة أصحابه، وإلا بعثت عليكم من يهلككم ويهلكه، فرد عليه هبيرة في شجاعة المؤمن وعزته فقال له: “كيف يكون قليل الأصحاب من أول خيله في بلادك، وآخرها في منابت الزيتون؟ وكيف يكون حريصاً من خلف الدنيا قادرًا عليها وغزاك؟ وأما تخويفك إيانا فإن لنا آجالاً إذا حضرت فأكرمها القتل، فلسنا نكرهه، ولا نخافه “، هذه المقالة من هبيرة جعلت ملك الصين يعيد النظر في ردود أفعاله، وأيقن أنه أمام قوم أشداء لا يجدي معهم التهديد ولا الوعيد، وأنهم لا يخافون في الله لومة لائم، فإن أحدهم يتمنى الموت في سبيل الله كما يتمنى ملك الصين الحياة وأكثر، وهنا عاد إلى صوابه ،وفكر بعقله ،وقال لهبيرة: فما الذي يرضي صاحبكم؟ قال: إنه قد حلف ألا ينصرف حتى يطأ أرضكم، ويختم ملوككم، ويعطى الجزية، قال: فإنا نخرجه من يمينه، نبعث إليه بتراب من أرضنا فيطؤه، ونبعث ببعض أبنائنا فيختمهم، ونبعث إليه بجزية يرضاها قال: فدعا بصحائف من ذهب فيها تراب وبعث بحرير وذهب وأربعة غلمان من أبناء ملوكهم، ثم أجازهم فأحسن جوائزهم ، فلما عادوا إلى قتيبة قبل الجزية، وختم الغلمان وردهم، ووطئ التراب ([2]) .

 يقول الدكتور عبد الشافي محمد عبد اللطيف: ” وهكذا انتهت هذه المرحلة من فتوحات قتيبة، التي طوى فيها أقاليم ماوراء جيحون، ثم عبر نهر سيحون، وفتح فرغانة والشاش، وأشروسنه، وكاشغر، وفرض سيادة الإسلام على ملك الصين، وجعل كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، وكان قتيبة قائداً عسكرياً فذا، وبطلاً سياسياً بارعاً، قهر الصعاب وتغلب على كل المشاكل التي واجهته، ولم يثنه عن عزمه لا صعوبة الطرق ووعورتها ولا قسوة المناخ وشدته، فقد كان عزمه حديداً، وكان هدفه رشيداً، وغايته عظيمة، والعون من الله مكفول لأصحاب هذه الغايات ([3]) .

([1]) الجفرافيون يقولون أن كاشغر تقع ضمن تركستان الشرقية .

[2])) الطبري: تاريخ الرسل والملوك (6/503) وابن الأثير : الكامل في التاريخ (5/7) و  وعبد الشافي : العالم الإسلامي في العصر الأموي ، ص 301 .
[3])) العالم الإسلامي في العصر الأموي ، ص 302 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى