لقد رفع قتيبة رحمه الله تعالى علم الجهاد منذ أن أرسله الحجاج إلى بلاد خرسان ليبدأ مرحلة جديدة من مراحل الفتوحات وليسطر طورًا جديدًا من أطوار التاريخ الأموي، قال ابن كثير عن قتيبة: “إنه ما انكسرت له راية وكان من المجاهدين في سبيل الله واجتمع له من العسكر مالم يجتمع لغيرهط“.
ولكنه مع ذلك حرص كل الحرص على أن ينشر الإسلام بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة وتأليف القلوب،فلقد أشعل فتيل الإصلاح وأقام منارة العلم ، واهتم قتيبة بالناحية العلمية ،فقد أمر ببناء المساجد في المدن والقرى، واهتم بالعلم والعلماء والفقهاء، وحرض العلماء وشجعهم على إقامة حلقات العلم لتربية الناس وتعليمهم الإسلام، وقد صاحب عمليه انتشار الإسلام بين سكان ما وراء النهر سرعة تعلمهم اللغة العربية,وانتشار حلقات تعليم القرآن الكريم والأحاديث النبوية ،وقام بتسكين المسلمين بين السكان الأصليين, ليطلعوا على تعاليم الإسلام وعادات المسلمين وأخلاقهم عن طريق الاحتكاك بهم, مثل ما حدث مع أهل بخارى ،وبني ببخارى المسجد الجامع وأمر المسلمين باداء صلاة الجمعة فيه,وقام بترغيب الناس في الدخول في الإسلام, بل وكان يأمر بمنادٍ كل يوم يقول: بأن كل من يأتي لصلاة الجمعة يعطى درهمين،ويعد هذا العمل طريقة جديدة في ذلك العهد في تأليف قلوب الناس للإسلام والحفاظ على الذين اعتنقوه ،وكان في جيشه مجموعة من العلماء, كمحمد بن واسع, والقاضي يحي بن يعمر والضحاك بن مزاحم صاحب التفسير فقد ساهم أمثال هؤلاء في نشر الإسلام وكان محمد بن واسع ينافس قتيبة في بناء المساجد، وفي عهده أصبحت بخارى وسمرقند وإقليم خوارزم مراكز للثقافة العربية ونشر الإسلام في أسيا الوسطى, كما كانت مرو ونيسابور في خراسان, ومنها ايضاً دخول كثير من أهالي ما وراء النهر في دين الله أفواجا, فظهر بينهم عدد من الكتاب والمحدثين والفقهاء والمؤرخين, ممن لا يزال ذكرهم خالد, وآثارهم عظيمة في تاريخ الإسلام ، وكان لقتيبة رحمه الله حكم وأقوال مأثورة ، تدل على فكره الراقي ،ومن أقواله : الخطأ مع الجماعة خير من الصواب مع الفرقة, وإن كانت الجماعة لا تخطيء والفرقة لا تصيب، وخاطب قتيبة الحجاج حين ظفر باصحاب ابن الأشعث فأراد قتلهم: “أن الله قد اعطاك ما تحب من الظفر, فاعطه مايحب من العفو” فرحمه الله رحمة واسعة وجعل ما قدمه للأمة في ميزان حسناته ، وبعد موت قتيبة رحمه الله ، توقفت حركة الفتوحات في هذه الناحية نظرًا لبعض الأحداث والتوترات التي مرت بها الدولة الأموية. وفي المقال القادم نسلط الضوء بمشيئة الله تعالى على نهاية حياة قتيبة رحمه الله وغفر له.
تم نسخ الرابط
بقلم د. زين العابدين كاملالاثنين 20 ربيع الأول 1446هـ 23-9-2024م