مراحل فتوحات قتيبة بن مسلم(2)
بقلم/ د. زين العابدين كامل
المرحلة الثالثة : من عام (90 -93 هـ )فتح سمرقند:
وهي المرحلة التي فرض فيها قتيبة السيادة الإسلامية على حوض نهر جيحون وتوج عمله فيها بالسيطرة الكاملة على مدينة سمرقند، أعظم المدائن في بلاد الصغد،كان طرخون ملك الصغد، قد أرسل إلى قتيبة بعد انتصاره في معركة بخارى سنة 90هـ يطلب منه الصلح ، فوافق قتيبة وصالحه، وفي سنة 91هـ غدر نيزك (صاحب قلعة بادغس) وعمل على تحريض ملوك طخارستان ورتبيل ملك سجستان على المسلمين، وهنا نكل به قتيبة وقتله ، ثم غزا قتيبة سجستان من الشمال عام 92 هـ ، وربما كانت تلك أول مرة يغزو فيها قتيبة سجستان ، ومن المحتمل أن يكون قتيبة قد أراد تأديب رتبيل ملكها لتعاونه مع نيزك في غدره، ولكن رتبيل قدر العواقب وطلب الصلح فوافق قتيبة وصالحه، وانصرف عائداً إلى مرو، وترك عبد ربه بن عبد الله بن عمير الليثي عاملاً على سجستان ، ثم في عام 93 هـ فتح قتيبة خوارزم صلحًا ، ثم نقض طرخون الصلح الذي ذكرناه آنفًا ، وهو الصلح الذي أبرمه معه قتيبة سنة 90هـ، وامتنع عن دفع ما كان صالح عليه، فقرر قتيبة أن يضع حداً لهذا العبث، وأن يظهر قوته أمام هؤلاء الذين يغدون ويؤدبهم ، فجمع جيشه وأخبرهم بنقض طرخون الصلح ، وأنه عزم على تأديبه ودخول سمرقند عنوة ،وجهز أخاه عبد الرحمن بن مسلم في عشرين ألف مقاتل وأمره بالسير أمامه، ثم تبعه هو في أهل خوارزم وأهل بخاري وضرب عليها الحصار وقال: إنا إذا نزلنا بساحة قوم (فساء صباح المنذرين) ، متيمناً بقول: رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما حاصر خيبر، فلما رأى أهل سمرقند أن مدينتهم قد حوصرت خافوا طول الحصار فكتبوا إلى ملوك الشاش وفرغانة يستنصرونهم ، ويحرضونهم على قتال المسلمين وقالوا لهم:” إن العرب إذا ظفروا بنا عادوا عليكم بمثل ما أتونا به فانظروا لأنفسكم” وبالفعل استجاب هؤلاء الملوك لنداء أهل سمرقند ، وقاموا بجمع عدد كبير من أهل القوة والبأس والشجعان والأبطال ، وقرروا أن يفاجأوا قتيبة في معسكره، وهو مشغول بحصار سمرقند، ووصلت هذه الأخبار إلى قتيبة ، فأرسل لهم فرقة من جيشه بقيادة أخيه صالح بن مسلم، فبدد شملهم وفرق جمعهم وقتلهم ، وغنم المسلمون أمتعتهم وأسلحتهم ، فلما رأى الصغد ما حل بهؤلاء انكسروا وأُلقي الرعب في قلوبهم وهنا ضيق عليهم قتيبة الخناق والحصار ، ونصب المنجنيق على المدينة واستطاع أن يحدث ثغرة في المدينة ، وصاح صيحة الأسد: ” حتى متى يا سمرقند يعشش فيك الشيطان أما والله لئن أصبحت لأحاولنّ من أهلك أقصى غاية “، فلما أصبح أمر الناس بالجد في القتال فقاتلوهم، واشتد القتال، وشعر الصغد بالضعف ، فقالوا له:” انصرف عنا اليوم، حتى نصالحك غداً “، فصالحهم من الغد على ألفي ألف ومائتي ألف مثقال في كل عام، وأن يعطوه تلك السنة ثلاثين ألف رأس وأن يخلو له المدينة فلا يكون فيها مقاتل، فيبني فيها مسجداً، ويدخل ويصلي ويخطب ويتغذى ويخرج ،وبالفعل دخل قتيبة سمرقند وحطم ما بها من الأصنام ، وقال له رجل من اهل المدينة : “لا تتعرض لهذه الأصنام فإن منها أصناماً من أحرقها أهلكته، فقال له: أنا أحرقها بيدي “، فأمر بإشعال النار، وكبر ثم أحرقها، فوجدوا من بقايا مسامير الذهب والفضة خمسين ألف مثقال ،وبعد أن أتمّ قتيبة هذا الفتح العظيم عاد إلى مرو، لا ليستريح ، بل ليعيد ترتيب جيشه وليبدأ جولته الأخيرة ([1]).
[1])) الطبري: تاريخ الرسل والملوك (6/442) وابن الأثير : الكامل في التاريخ (4/542) والبلاذري : فتوح البلدان 517 ،
وعبد الشافي : العالم الإسلامي في العصر الأموي ، ص 298 – 300.