ما أشبة الليلة بالبارحة !! إن سنن الله الكونية لا تتغير ولا تتبدل، ليأخذ الناس العظة والعبرة ممن سبقهم حتى ينجوا مع الناجين. فإذا تقاعس المسلمون وتخاذلوا كانت النتيجة السقوط.
لقد كان تاريخ الأندلس عبرة لمن يعتبر، ثمانمائة سنة من العلو والانخفاض والصعود والهبوط، تعاقب على الأندلس أمراء وولاة عهد وخلفاء وملوك طوائف، وكل هذا التراث الهائل من المنجزات والتطورات أصبح في أيدي النصارى الصليبيين الذين صاحبوا السهر ورافقوا التعب والشدة حتى وصلوا إلى ما يريدون.
أجدني في حيرة من أمري لا أعرف ما فعل الله بهؤلاء الأقوام الذين بدلوا من بعد نعمة خوفًا.
فأنا كأي مسلم حر يبكي على مجد أسلافه المسلمين الذي أريقت دماءهم الزكية على ثرى الأندلس.
لقد عطروا ذكرهم في صفحات التاريخ بتلك التضحيات التي لم يكن يعرف العالم مثلها في زمن من الأزمان .
فحين سقطت غرناطة آخر معاقل العرب والمسلمين في الأندلس في الثاني من ربيعٍ الأول عام 897هـ وهو ما يوافق الثاني من يناير عام 1492م، لم يكن هذا الحدث نهاية للحكم العربي الإسلامي في الأندلس فقط.. كان هذا هو اليوم الذي فقد فيه المسلمون قلوبهم في هذه البقاع.
هذا هو ما تأكد خلال القرون التالية لضياع الأندلس وحتى يومنا هذا.
إن الأندلس لم تذهب من أيدينا بين يوم وليلة، إنها قرون حتى سقطت، وهذا يدل على طول نفس أولئك الأعداء الذين ما فتئوا يزعزعون كيان الدولة حتى تساوت مع التراب. فسقوط الأندلس حدث في اللحظة التي توقف فيها العرب في داخل الأندلس وخارجها عن بناء الحضارة … اللحظة التي توقفوا فيها عن التميز في الإنتاج العلمي والفكري وبناء القوة الذاتية.
بعبارة أكثر دقة وتفصيلًا العرب خرجوا من التاريخ حين لم يتعلموا دروس سقوط الأندلس، ولم يتأملوا أسباب هذا السقوط ويحاولوا أن يتجنبوها.
أرى أن هناك عوامل كبرى قادت لسقوط الأندلس ووضعت العرب خارج التاريخ:
1- التوقف عن الريادة والتفوق في مجالات العلوم والتكنولوجيا والإبداع وبناء القوة عموما. العرب تخلفوا خطوة بعد خطوة عن باقي دول العالم في هذه المجالات حتى انتهى بهم الأمر إلى أن أصبحوا في مؤخرة الصفوف بعد أن كانوا هم الأساتذة والسادة والقادة وأصبحوا يعيشون عالة على الآخرين
2 – حين لم نعد نملك أسباب القوة، وفي مقدمتها القوة العسكرية التي تصنعها نحن ونتحكم فيها نحن فلم نعد قادرين على الدفاع عن دولنا ومجتمعاتنا.
3- حين أصبحنا نستنجد بالأعداء والأجانب وتتحالف معهم وتستقوي بهم في مواجهة إخواننا.
4- حين غلبتنا العوامل العنصرية من قبلية وقومية على وشيجة الإسلام والأخوة الإسلامية.
5- حين ضعفت العقيدة الإسلامية في النفوس والضمائر وظوعت لخدمة القومية والعنصرية والوطنية.
6- حين غلبنا المصالح على المبادئ، وبالتالي التحالف مع أعداء الإسلام ضد إخوان العقيدة، وشركاء الحضارة والمصير
وهذه العوامل قد اجتمعت معا في ظل دويلات الطوائف في الأندلس وقادت إلى ضياعها، واستفحل أمرها بعد ذلك حتى يومنا هذا.
حين سقطت غرناطة ساد عصر من الإرهاب والمذابح والجرائم المروعة التي سجلها التاريخ ضد أهلها من العرب المسلمين، الأمر الذي أدى في النهاية إلى طردهم إلى بلاد المنافي. يحكي المؤرخون أن كثيرًا من العرب المسلمين حين غادروا الأندلس إلى المنافي تركوا مفاتيح بيوتهم ومحالهم مع اقربائهم أو جيرانهم الذين فضلوا البقاء وأوصوهم بالاحتفاظ بها، فعلوا هذا يحدوهم الأمل أنهم سيعودون يوما إلى بيوتهم. آخرون من الذين رحلوا أخذوا مفاتيح بيوتهم معهم بعض أحفاد أهل الأندلس الذين يقيمون في المغرب يقولون انهم حتى يومنا هذا ما زالوا يحتفظون بمفاتيح بيوت أجدادهم.
لكن الذين تركوا مفاتيح بيوتهم أو احتفظوا بها لم يعودوا ولم يعد لهم بيوت يعودون اليها.
لم يكن أهل الأندلس آخر من يحتفظون بمفاتيح بيوتهم، ولم تكن زفرة أبو عبد الله الصغير هي زفرة العربي الأخيرة.
يكفي أن نتأمل ما حدث خلال العقود الأخيرة فقط…
مئات الملايين من الفلسطينيين والعراقيين والسوريين واليمنيين والسودانيين خرجوا إلى المنافي حاملين معهم مفاتيح بيوتهم على أمل العودة اليها يوما.
لذا يجب علينا أن نكون أكثر واقعية.. ونراقب الساحة، فإذا جاءت ساعة الصفر انطلقنا إلى مكاننا الأصلي فوق القمة لنحكم العالم وفق شرع الله وسنة رسوله ﷺ.
اللهم أعز الإسلام ولمسلمين ووفقنا لتحكيم شرعك وإعلاء دينك.