مقالات متنوعة

د. زين العابدين كامل يكتب: وقفة حول أزمة انقطاع التيار الكهربائي

وقفة حول أزمة انقطاع التيار الكهربائي

 

بقلم د. زين العابدين كامل

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،

فمن الفقه أن يوظف المسلم ما يقع حوله من أحداث توظيفًا تربويًا، وأن يستخرج من الأحداث الدروس والعبر.

ولقد ظهرت منذ عدة أشهر أزمة انقطاع التيار الكهربائي لعدة ساعات خلال اليوم، مما ترتب عليه معاناة كثير من الناس، لاسيما وأن الأزمة صادفت موجة شديدة الحر.

فلقد عانى البعض من من ارتفاع الحرارة مع عجزه عن تشغيل المراوح أو التكييفات.

وعانى آخرون من انقطاع المياه أيضًا مما زاد الأمر سوءًا، وتعرض آخرون من ساكني الأبراج المرتفعة لبعض المخاطر، حيث توقفت بعض المصاعد فجأة وبداخلها بعض الأشخاص.

وعانى كذلك بعض المرضى حيث تأثروا بشكل أو بآخر بانقطاع الكهرباء، وعانى كذلك أصحاب بعض المحلات التجارية وغيرهم من بعض الأضرار.

بل وتأثرت أيضًا بعض الأعمال الدعوية والتعبدية في المساجد وغيرها.

والأمثلة التي ذكرناها هي على سبيل المثال وليس الحصر.

والغرض المقصود، أن انقطاع التيار الكهربائي، ترتب عليه بعض السلبيات والمفاسد والأضرار، التي لحقت ببعض الناس، على اختلاف أحوالهم ومعايشهم.

ولذا ينبغي على المسلم أن يستحضر قيمة نعمة الكهرباء، حيث وقع حال فقدانها الكثير من الضرر والخلل.

لقد شعر الجميع الآن بنعمة الكهرباء، تلكم النعمة العظيمة التي تغافلنا عن شكرها، ولم نكن نشعر بقيمتها، هذه النعمة التي أضاءت الأرض، وصارت جُل أعمال الناس متوقفة عليها، حيث أن أكثر الأعمال الآن تتم عبر الأجهزة الالكترونية.

ولا شك أن اكتشاف القوة الكهربائية على يد أحد الباحثين أو بعضهم، كان بإلهام وتوفيق من الله تعالى،

فهو محض فضل من الله عز وجل، وهو الذي يسبب الأسباب ليتم مراده جل في علاه.

تدبر أخي الكريم تلكم الآيات المباركة، التي تحدثت عن الضياء والظلمة، والشمس والقمر، والنور والفلق والإصباح، والليل والنهار، قال تعالى { هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [يونس: 5].

وقال تعالى: {فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [الأنعام: 96].

وقال تعالى {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}[القصص: 71-72].

يتأكد بهذه الآيات العظيمة، أننا نعيش ونحيا، ونحن ننعم بكثير من نعم الله تعالى علينا، وها نحن قد رأينا أن كثيرًا من مصالحنا وأعمالنا ومعايشنا قد تعطلت، بل واستوحشنا بعض الأوقات، التي انعدمت فيها الكهرباء.

قال تعالى: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34].

ويقول سبحانه وتعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7].

قال ابن كثير في التفسير: “لئن شكرتم لأزيدنكم أي: لئن شكرتم نعمتي عليكم لأزيدنكم منها، ولئن كفرتم أي كفرتم النعم وسترتموها وجحدتموها إن عذابي لشديد، وذلك بسلبها عنهم وعقابه إياهم على كفرها”.

فنحن نحتاج إلى أن نشكر الله تعالى ونحمده على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، فإن من نتائج عدم شكر الله تعالى على نعمه؛ زوالها وسلبها والعياذ بالله، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ}[الأنفال:53-54].

والمعاصي كذلك من أسباب زوال النعم والعياذ بالله.

قال القرطبي في التفسير: “وسُئل بعض الصلحاء عن الشكر لله فقال: ألا تتقوى بنعمه على معاصيه”.

وقد جاء في الحديث: “إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه” (رواه أحمد وابن حبان والحاكم).

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من زوال النعمة، كما في صحيح مسلم وغيره قال:” كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك”.

ونحتاج كذلك إلى أن نتفكر في مشاهد الكون من حولنا، نتفكر في كل نعمة صغيرة كانت أو كبيرة، نتفكر في أحوالنا لو قدر الله تعالى وسلب بعض النعم منا، لاسيمنا وأن التفكر عبادة نتقرب بها إلى الله تعالى.

فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (تَفَكَّرُوا في آلاءِ اللهِ، ولا تَفَكَّرُوا في اللهِ) (رواه الطبراني، وحسنه الألباني).

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: “تفكروا في كل شيء، ولا تفكروا في ذات الله” -هكذا موقوفًا عليه-، وهذا الحديث يحث على التفكر في خلق الله -تعالى-، وقد قال -تعالى-: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (آل عمران:190-191).

ولا شك أن التفكر في النعم والمخلوقات له تأثير على قوة إيمان العبد بربه، وشدة محبته له، وأمر التفكر يتلخص في: إعمال العقل وإطلاقه في التأمل في آيات الله في الكون، والتدبر والملاحظة لعظمة الله في خلقه، قال -تعالى-: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) (الأعراف:185).

ونرى في الحديث النهي عن التفكير في ذات الله -تبارك وتعالى-؛ لأن الله -تعالى- ليس كمثله شيء، ومهما بلغت قوة ذكاء العقل البشري، فهو مخلوق محدود، عاجز عن إدراك ذات الله -تعالى-، والذين أعملوا عقولهم في هذه القضية، وقعوا في نفي الصفات أو تعطيلها، أو التجسيم، أو التأويل؛ لذا قال نعيم بن حماد -وهو من مشايخ الإمام البخاري-: “حق على كل مؤمن أن يؤمن بجميع ما وصف الله به نفسه، ويترك التفكر في الرب -تبارك وتعالى-، ويتبع حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (تفكروا في الخلق ولا تتفكروا في الخالق)”

(أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للإمام اللالكائي، 3/ 527).

وقال أبو القاسم الأصبهاني: “ومَن تفكر في الله وفي صفاته: ضل، ومَن تفكر في خلق الله وآياته ازداد إيمانًا” (الحجة في بيان المحجة، 2/ 457).

تخيل أخي الكريم لو أن الله تعالى جعل الليل والظلام سرمدًا دائمًا، هل ستصلح هذه الحياة للعيش وغيره؟!

وهكذا يجب علينا أن نتفكر في خلق الله – تعالى- ونعمه، وأن نتدبر آياته في هذا الكون، وأن نشكره حق شكره.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى