مقالات تاريخية

د. زين العابدين كامل: حول شخصية مروان بن الحكم

مروان بن الحكم- رابع حكمام بني أمية.

من الشخصيات التي لعب دورًا كبيرًا في العصر الأموي، مروان بن الحكم رحمه الله تعالى.

هو: مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، أبو عبد الملك ويقال: أبو الحكم، ويقال: أبو القاسم، وهو صحابي عند طائفة كثيرة لأنه وُلِدَ في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، أما ابن سعد فقد عَدَّه في الطبقة الأولى من التابعين .روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا في صلح الحديبية، والحديث في صحيح البخاري عن مروان والمسور بن مخرمة، كما روى مروان عن عمر وعثمان، وكان كاتبَه -أي كان كاتب عثمان- وروى عن علي وزيد بن ثابت، وروى عنه ابنه عبد الملك وسهل بن سعد، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وعلي بن الحسين (زين العابدين) ومجاهد وغيرهم، حكم مروان عام 64هـ، وهناك روايات تذكر أن مروان بن الحكم كان قد عزم على مبايعة ابن الزبير لولا أن تدخل عبيد الله بن زياد وغيره في آخر لحظة وأثنوه عن عزمه وأقنعوه أن يدعو لنفسه.

كان مروان بن الحكم من سادات قريش وفضلائها، وقد قاتل مروان يوم الدار قتالاً شديدًا، وقَتَلَ بعض الخارجين على عثمان، وكان على الميسرة يوم الجمل، وكان علي بن أبي طالب رضى الله عنه يكثر السؤال عن مروان حين انهزم الناس يوم الجمل، يخشى عليه من القتل، فلما سُئِلَ عن ذلك قال: إنه يعطفني عليه رحم ماسة، وهو سيد من شباب قريش.كان مروان قارئًا لكتاب الله، فقيهًا في دين الله، شديدًا في حدود الله، ومن أجل ذلك ولاه معاوية رضى الله عنه المدينة غير مرة، وأقام للناس الحج في سنين متعددة.كما كان مروان قضَّاء يتتبع قضايا عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، وكان جوادًا كريمًا فقد روى المدائني عن إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد أن مروان أسلف علي بن الحسين -رضي الله عنهما- حين رجع إلى المدينة بعد مقتل الحسين رضى الله عنه ستة آلاف دينار، فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ابنه عبد الملك أن لا يسترجع من علي بن الحسين شيئًا، فبعث إليه عبد الملك بذلك فامتنع من قبولها، فألح عليه فقبلها، وقال: الشافعي: إن الحسن والحسين كان يصليان خلف مروان ولا يعيدانها، ويعتدان بها.وكان مروان حكيمًا ذا عقل وكياسة، ومما يدل على حكمته وعقله أنه كان أثناء ولايته على المدينة إذا وقعت مشكلة شديدة جمع مَنْ عنده من الصحابة فاستشارهم فيها، وهو الذي جمع الصيعان فأخذ بأعدلها فنسب إليه الصاع؛ فقيل: صاع مروان([1]).

و قال الحافظ ابن حجر في فتح البارى: “مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عم عثمان بن عفان يقال له رؤية فإن ثبتت فلا يعرج على من تكلم فيه وقال عروة بن الزبير كان مروان لا يٌتهم في الحديث وقد روى عنه سهل بن سعد الساعدي الصحابي اعتمادا على صدقه وإنما نقموا عليه أنه رمى طلحة يوم الجمل بسهم فقتله ثم شهر السيف في طلب الخلافة حتى جرى ما جرى فأما قتل طلحة فكان متأولا فيه كما قرره الاسماعيلي وغيره وأما ما بعد ذلك فإنما حمل عنه سهل بن سعد وعروة وعلي بن الحسين وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وهؤلاء أخرج البخاري أحاديثهم عنه في صحيحه لما كان أميرا عندهم بالمدينة قبل أن يبدو منه في الخلاف على بن الزبير ما بدا والله أعلم وقد اعتمد حتى مالك على حديثه ورأيه والباقون سوى مسلم”

هذا وقدِ اختَلف العلماءُ في صِحَّة نِسبة رمْي مرْوان لطلحةَ يوم الجمل إلى فريقين: الفريق الأول: مَن ذهَب إلى أنَّ مَرْوان بنَ الحكَم ليس بقاتلِ طلحة بن عُبَيدالله، منهم: أبو بكر بن العربي وابن كثير، وظاهِر كلامِ ابنِ حزْم.واستدلوا: بأنَّه لم يصحَّ أثَر في قِصَّة رمْي مروان لطلحة.قال أبو بكر بن العربي: وقدْ رُوي أنَّ مروان لما وقعَتْ عينه في الاصطفافِ على طلحة، قال: لا أطلُب أثرًا بعد عَين، ورَماه بسهمٍ فقتَله، ومَن يعلم هذا إلاَّ علاَّمُ الغيوب؟!ولم ينقُلْه ثبْتٌ، وقد رُوي أنَّه أصابه سهمٌ بأمر مرْوان، لا أنَّه رماه، وقد خرَج كعبُ بن سور بمصحفٍ منشور بيدِه يُناشد الناسَ ألاَّ يريقوا دِماءَهم، فأصابه سهمٌ غرب فقتَلَه، ولعلَّ طلحةَ مِثله، ومعلومٌ أنَّه عند الفِتنة وفي ملحمة القتال، يتمكَّن أولو الإحَنِ والحقود، مِن حَلِّ العُرَى ونقض العهود، وكانت آجالاً حضرت، ومواعد انتجزَت.وقال ابنُ كثير: يُقال: إنَّ الذي رماه بهذا السهم مَرْوان بن الحَكم، وقال لأبان بن عثمان: قدْ كفيتُك رجالاً مِن قتَلَةِ عثمان، وقد قيل: إنَّ الذي رماه غيرُه، وهذا عندي أقربُ، وإنْ كان الأوَّل مشهورًا، والله أعلم.الفريق الثاني: مَن ذهَب إلى أنَّ مرْوان بن الحَكم هو قاتلُ طلحة بن عُبيدالله، منهم: ابن قتيبة، والبلاذري وأحمد بن إسحاقَ اليعقوبي، وابن حِبَّان، والإسماعيلي والمطهِّر بن طاهِر، وابن عبدالبر، والذَّهبي، والصَّفدي، وابن حجر العَسقلاني، والعيني، وابن تَغرِي بَرْدي، والسخاوي، وغيرهم، واستدلوا بوفرةِ وشُهرة الأدلَّة التي تناقلها المؤرِّخون.

لم تدم مدة حكم مروان طويلاً، حيث توفى مروان بن الحكم بدمشق لثلاث خلون من شهر رمضان سنة 65هـ، وهو ابن ثلاث وستين سنة, وصلى عليه ابنه عبد الملك, وكانت مدة حكمه تسعة أشهر وثمانية عشر يومًا.

وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ وَذَكَرَ مَرْوَانَ يَوْمًا فَقَالَ قَالَ مَرْوَانُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً ثم أصبحت فيما أنا فيه، من إهراق الدِّمَاءِ وَهَذَا الشَّأْنِ.

ومما يؤخذ عليه رحمه الله تعالى؛ أنه دعا لنفسه بعد أن انعقدت البيعة لعبد الله بن الزبير رضي الله عنه، ولذا يقول العلماء أن مروان بن الحكم وابنه عبد الملك باغين على ابن الزبير خارجين على خلافته فهو أمير المؤمنين وقد انعقدت له البيعة ،وكانت مدة خلافته تسع سنين.

ومما يؤخذ عليه أيضًا: تقديم خطبة العيد على الصلاة، فكان مروان أول من قدم الخطبة على الصلاة يوم العيد، وهذه القضية ثبتت عنه، أخرجها الإمام مسلم في صحيحه. وجمهور الأئمة على أن ذلك لا يجوز، لأن العبادة أمر توقيفي، والرواية التي تبين مقصد مروان من تقديم الخطبة رواها ابن عساكر، وفيها علل مروان ذلك بقوله “كنا نصلي فتتفرق الناس قبل الخطبة”.

 

  1. () انظر: الذهبى:سير أعلام النبلاء (3/ 476). ابن كثير:البداية والنهاية (8/260).

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى