فضائل بني أمية وتقريب الرسول صلى الله عليه وسلم لهم واعتماده عليهم (2)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فلما قامت الدولة الأموية واستقر ملكهم في بلاد الشام، كان عصرهم من خير العصور إذا قورن بما بعده؛ ففيه انتشرت فتوحات دولة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، وانحسرت دول الكفر، وفي عصرهم استمر انتشار العلم والفقه، ودوِّن الحديث، ودون التفسير، وعم الرخاء أرجاء العالم الإسلامي، حتى بلغ الحال بالمسلمين في بعض عهود بني أمية، ألا يجدوا محتاجًا يأخذ زكاة أموالهم؛ لغنى المسلمين وكفايتهم على الرغم من اتساع الرقعة، وكثرة المسلمين!
فالله عز وجل قد مكَّن للمسلمين في عهد بني أمية من الموجة الثانية من الجهاد في سبيل الله، حتى فتحوا مشارق الأرض ومغاربها، من “كاشغر” على حدود “الصين” في الشرق، إلى “الأندلس”، وجنوب “فرنسا” في الغرب، ومن “بحر قزوين” في الشمال إلى “المحيط الهندي” في الجنوب.
قال الدكتور عبد الشافي محمد عبد اللطيف: فلئن كان بعض الأمويين عادَى الإسلام في البداية وتأخر إسلامهم؛ إلا أنهم لما أسلموا عام الفتح، أظهروا من حسن البلاء في الفتوحات، وقاموا بأدوارٍ بارزةٍ في رفع راية التوحيد، وأبدوا من الحب لدين الله والجهاد في سبيله ما لفت إليهم الأنظار، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسند إلى كثيرٍ منهم أجلَّ الأعمال وأخطرها، وكذلك فعل الخلفاء الراشدون الثلاثة مِن بعده؛ إلا أن كل ذلك لم يشفع لهم عند أصحاب الأهواء، حتى الكلمة الطيبة التي قالها الرسول صلى الله عليه وسلم في معرض العفو العام عنهم، وفي اليوم الذي سمَّاه يوم بر ووفاء، وهي قوله صلى الله عليه وسلم: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”؛ حتى هذه الكلمات جعل بعض الناس منها سُبة في جبين بني أمية وحدهم! وجعلوا يعيرونهم بأنهم الطلقاء، وأبناء الطلقاء!
ولم يفهموا أن هؤلاء الطلقاء وأبناءهم قد أسلموا وحسن إسلامهم، وكانت لهم مواقف مشهودة في نصرة الإسلام في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعده في الفتوحات في عهد خلفائه الراشدين؛ فبنو أمية يدخلون في جملة مسلمة الفتح الذين وعدهم الله بالحسنى في قوله تعالى: “لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ” (الحديد: 10).
وللحديث بقية إن شاء الله.