فضائل بني أُمية وتقريب الرسول صلى الله عليه وسلم لهم واعتماده عليهم (3)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فلقد ذكرنا سابقًا أن البعض قد حاول أن يطعن في بني أمية، وذلك عن طريق تزوير تاريخهم وطمس حسناتهم، وطرح الشبهات حول تاريخ دولتهم، ولقد رددنا على بعض الشبهات، ثم سلطنا الضوء في مقالنا السابق على فضائل بني أُمية وتقريب الرسول صلى الله عليه وسلم لهم واعتماده عليهم، ونستكمل هذا العنصر في هذا المقال.
لما قامت الدولة الأموية واستقر ملكهم في بلاد الشام، كان عصرهم من خير العصور نسبة لما بعده؛ ففيه انتشرت فتوحات الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، وانحسرت قوة الكفر واضمحل، وفي عصرهم دوِّن الحديث، ودون التفسير، وعم الرخاء أرجاء العالم الإسلامي، حتى بلغ الحال بالمسلمين في بعض عهود بني أمية، ألا يجدوا محتاجًا يأخذ زكاة أموالهم؛ لغنى المسلمين، وكفايتهم على الرغم من اتساع الرقعة وكثرة المسلمين، وقد اشتهر ذلك في عصر عمر بن عبد العزيز رحمه الله.
فالله عز وجل قد مكَّن لبني أمية في الأرض، ونصرهم في جهادهم، حتى فتحوا مشارق الأرض ومغاربها، من “كاشغر” على حدود “الصين” في الشرق، إلى “الأندلس” وجنوب “فرنسا” في الغرب، ومن “بحر قزوين” في الشمال إلى “المحيط الهندي” في الجنوب كما سنبين بمشيئة الله تعالى.
قال الدكتور عبد الشافي محمد عبد اللطيف: “فلئن كان بعض الأمويين، عادَى الإسلام في البداية، وتأخر إسلامهم؛ إلا أنهم لما أسلموا عام الفتح، أظهروا من حسن البلاء في الفتوحات، وقاموا بأدوارٍ بارزةٍ في رفع راية التوحيد، وأبدوا من الحب لدين الله والجهاد في سبيله ما لفت إليهم الأنظار، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسند إلى كثيرٍ منهم أجلَّ الأعمال وأخطرها، وكذلك فعل الخلفاء الراشدون الثلاثة مِن بعده؛ إلا أن كل ذلك لم يشفع لهم عند أصحاب الأهواء، حتى الكلمة الطيبة التي قالها الرسول صلى الله عليه وسلم في معرض العفو العام عنهم، وفي اليوم الذي سمَّاه يوم بر ووفاء، وهي قوله صلى الله عليه وسلم: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”؛ حتى هذه الكلمات جعل بعض الناس منها سُبة في جبين بني أمية وحدهم!
وجعلوا يعيرونهم بأنهم الطلقاء وأبناء الطلقاء، ولم يفهموا أن هؤلاء الطلقاء وأبناءهم قد أسلموا وحسن إسلامهم، وكانت لهم مواقف مشهودة في نصرة الإسلام في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعده في الفتوحات في عهد خلفائه الراشدين؛ فبنو أمية يدخلون في جملة مسلمة الفتح الذين وعدهم الله بالحسنى في قوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)”.
ويجدر الإشارة هنا إلى الجهود والإنجازات التي حققها معاوية بن أبي سفيان الأموي رضي الله عنه، وهو الأموي الذي ناله الحظ الأوفر من السبِّ والطعن.
وهذا ما سنسلط الضوء عليه في مقالنا القادم بمشيئة الله تعالى.