المؤثرات الخاريجة وتأثيرها على النفس (1)
(زيد بن علي بن الحسين أنموذجًا)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فلا شك أن الإنسان يتأثر بواقعه الذي يحياه ويعيش فيه، ويتأثر بجميع المؤثرات مِن حوله، وربما أدى ذلك أحيانًا إلى الوقوع تحت ضغوطٍ نفسيةٍ شديدةٍ، وفي هذه الحالة يتخذ المرء أحيانًا بعض القرارات المصيرية دون تريثٍ، وتغيب عنه بعض الضوابط الشرعية؛ لا سيما إن كان يعاني مِن الظلم والقهر والاضطهاد؛ لذا ينبغي على المسلم أن يراعي الضوابط الشرعية في كل وقتٍ، ولا يتأثر بالمؤثرات الخارجية المحيطة به.
وإذا تأملنا حال زيد بن علي بن الحسين -رضي الله عنه-، نرى أنه قد نشأ -رحمه الله- بالمدينة، فحفظ القرآن وتعلم العلوم الشرعية، وعاش مع والده ثماني عشرة سنة مِن حياته، تربى خلال هذه الفترة على التدين وحسن الخلق والتمسك بالقرآن وسنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وبعد وفاة والده انتقلت كفالته إلى أخيه الأكبر محمد الباقر، وهو المعروف بزهده وورعه وتقواه، ولقد كان للباقر أثره كذلك في نشأة أخيه زيد وهو لا يزال في تلك السن التي آلت إليه رعايته فيها.
ولقد كان تأثره بوالده وأخيه وبيئته التي نشأ فيها واضح المعالم، فهو يقول عن نفسه: “لقد خلوتُ بالقرآن الكريم ثلاث عشرة سنة أقرأه وأتدبره”. وقد توسع في التفسير، والسُّنة وعلومها، وبالفقه، والعقائد وأصول الدين، واللغة وآدابها، وغير ذلك.
ويقول عنه أخوه محمد الباقر: “رجل ملئ علمًا مِن أطراف شعره إلى قدميه!”.
ويقول أبو إسحاق السبيعي: “رأيتُ زيد بن علي، فلم أرَ في أهله مثله، ولا أعلم منه ولا أفضل”.
وقال أبو حنيفة: “شاهدتُ زيد بن علي كما شاهدتُ أهله، فما رأيت في زمانه أفقه ولا أعلم”.
وقال عنه الشعبي: “ما ولدت النساء أفضل مِن زيد بن علي، ولا أفقه، ولا أشجع، ولا أزهد”.
ورغم ذلك كله تأثر -رحمه الله- ببعض المؤثرات الخارجية التي تحيط به؛ فلقد تأثر بما حدث لأهل بيته مِن تقتيلٍ وتشريدٍ، وقتل جده الحسين بن علي -رضي الله عنه-، وتعرضه هو أيضا لبعض الإهانات مِن بعض ولاة هشام بن عبد الملك، بل ومِن هشام نفسه، وتغير حكم الشورى إلى حكم الملك العضوض مع مجيء الأمويين، ثم شعوره بالمظالم الواقعة على الناس، وللمنكرات التي انتشرتْ في زمانه.
وهنا قرر زيدٌ أن يقوم بثورةٍ على هشام بن عبد الملك لاسيما وأن البيئة بالكوفة كانت مناسبة للثورة، وفيها أتباع أهل البيت المؤيدون لأحقية أهل البيت بالخلافة، الكارهون لحكم بني أمية؛ هذا وقد حدثتْ عدة اتصالات بيْن أهل الكوفة وزيد بن علي عام 121هـ – 740م.
وبالفعل قدم زيد الكوفة وأقام بها مستخفيًا ينتقل في المنازل، وأقبلت الشيعة تختلف إليه تبايعه، فبايعه خمسة عشر ألفًا. وقيل: أربعون ألفًا.
وتتلخص أهداف زيد في العودة إلى الكتاب والسُّنة، وجهاد الظالمين، والدفع عن المستضعفين وإعطاء المحرومين، وردّ المظالم ونصرة أهل البيت.
هذا وقد اعترض بعض الناس على خروج زيدٍ، منهم: عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وذكره بطبيعة أهل العراق، وأنهم سيفرون عند اللقاء ويخذلونه، كما فعلوا ذلك مع مَن سبقه مراتٍ عديدةٍ.
وجاء داود بن علي ناصحًا لزيدٍ، قال: “يا بن عمّ، إن هؤلاء يغرّونك مِن نفسك، أليس قد خذلوا مَن كان أعز عليهم منك جّدك علي بن أبي طالب حتى قتل؟ والحسن مِن بعده بايعوه ثّم وثبوا عليه فانتزعوا رداءه وجرحوه؟ أوَليس قد أخرجوا جّدك الحسين وحلفوا له وخذلوه وأسلموه ولم يرضوا بذلك حتى قتلوه؟ فلا ترجع معهم”.
وجاء كذلك سلمة بن كُهَيْل فذكر لزيدٍ قرابته مِن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحقّه فأحسن، ثم قال له: “ننشدك الله كم بايعك؟ قال: أربعون ألفًا. قال: فكم بايع جَدَّك؟ قال: ثمانون ألفًا. قال: فكم حصل معه؟ قال: ثلاثمائة. قال: نشدتك الله أنت خير أم جَدّك؟ قال: جدّي. قال: فهذا القرن خير أم ذلك القرن؟ قال: ذلك القرن. قال: أفتطمع أن يَفي لك هؤلاء وقد غدر أولئك بجّدك؟! قال: قد بايعوني ووجبت البيعة في عنقي وأعناقهم” (الكامل في التاريخ لابن الأثير).
ونستكمل في المقال القادم بمشيئة الله -تعالى-.