مقالات تاريخية

شُبهات مُفتراه حول بني أمية (1)

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فلا شك أن البحث عن حقيقة التاريخ الأموي والوقوف على أهم معالم الدولة الأموية ومآثرها، وأسباب نجاحها ثم الوقوف على أسباب وتداعيات سقوطها وانهيارها، يعد ضرورة تاريخية وثقافية وفكرية، فنحن أمام دولة دام ملكها 91 سنة تقريبًا، من عام 41هـ وحتى 132هـ.

ولقد حققت الدولة إنجازات كبرى في ميدان الجهاد والفتوحات، حتى امتدت حدودها من حدود الصين إلى جنوبي فرنسا، وكذا حققت قفزات هائلة في مجالات الفكر والعلم والأدب، ولكن -للأسف الشديد- لقد صور البعض تاريخ هذه الدولة على أنه تاريخ حافل بالمؤامرات السياسية، والحروب والدموية، والمشاكل الاقتصادية.

ونحن لا ننكر وقوع أحداث عظيمة الشأن في العصر الأموي، منها: مقتل الحسين وابن الزبير -رضي الله عنهما-، وانتهاك حرمة المدينة المنورة، ووقوع حريق الكعبة، ووقوع كثيرٍ من الثورات والتوترات، ولكن لا بد أن نعلم أن عُمْرَ هذه الدولة يقع ضمن زمن الخيرية، والقرون الفاضلة.

ولقد حاول البعض الطعن في بني الأمية وفي تاريخهم، واتهموهم بأنهم يتصارعون على السلطة طوال تاريخهم! وحصروا ذلك الصراع بينهم وبين بني هاشم، وذكروا بعض المرويات الساقطة الملفَّقة حتى قام أحدهم بتأليف كتاب عن هذا الصراع وأسماه: “النزاع والتخاصم فيما بين بني أُمية وبني هاشم”، وقد حاول صاحب الكتاب أن يثبت بكلِّ سبيلٍ أن العداوة بين بني أمية وبني هاشم هي عداوة قديمة (هذا الكتاب يُنسَب للمقريزي، وقد طعن بعض الباحثين في نسبته له، فالله أعلم).

والعجيب: أننا لو بحثنا في نَسَب بني أمية؛ لوجدنا أن الأمويين ينتسبون إلى أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وفي عبد مناف يلتقي بنو أمية مع بني هاشم، وكان بنو عبد مناف يتمتعون بمركز الزعامة والرياسة في مكة المكرمة.

وفي هذا الصدد قال ابن خلدون: “كان لبني عبد مناف في قريش جمل من العدد والشرف لا يناهضهم فيها أحدٌ من سائر بطون قريش، وكان فخذاهم بنو أمية وبنو هاشم حيًّا جميعًا ينتمون لعبد مناف، وينتسبون إليه، وقريش تعرف ذلك وتسأل لهم الرياسة عليهم؛ إلا أن بني أمية كانوا أكثر عددًا من بني هاشم وأوفر رجالًا، والعزة إنما هي بالكثرة، قال الشاعر: “وإنما العزة للكاثر” (تاريخ ابن خلدون).

إن شبهة العداوة القديمة تدحضها شواهد التاريخ، وتدل على قوة العلاقة بين بني هاشم وبني أمية، فقد كان عبد المطلب بن هاشم -زعيم الهاشميين في عصره- صديقًا لحرب بن أمية -زعيم الأمويين- كما كان العباس بن عبد المطلب ابن هاشم صديقًا حميمًا لأبي سفيان بن حرب بن أمية، وفي قصة إسلام أبي سفيان عند فتح مكة، ودور العباس فيها أكبر دليل على ذلك.  

وقد قيل لمعاوية -رضي الله عنه-: “أيكم كان أشرف: أنتم أو بنو هاشم؟ قال: كنا أكثر أشرافًا وكانوا هم أشرف، فيهم واحد لم يكن في بني عبد منافٍ مثل هاشمٍ، فلما هلك كنا أكثر عددًا وأكثر أشرافًا، وكان فيهم عبد المطلب ولم يكن فينا مثله، فلما مات صرنا أكثر عددًا وأكثر أشرافًا، ولم يكن فيهم واحدٌ كواحدنا، فلم يكن إلا كقَرَار العين حتى قالوا: منا نبي؛ فجاء نبي لم يسمع الأولون والآخرون بمثله؛ محمدٌ -صلى الله عليه وسلم-، فمَن يدرك هذه الفضيلة وهذا الشرف؟!” (البداية والنهاية لابن كثير).

قال الدكتور “حمدي شاهين”: “إن كلَّ ذلك لا ينفي احتمال وجود نوعٍ مِن التنافس بين الجانبين قبل الإسلام، في ضوء ما نعرف من طبيعة الحياة العربية في مكة قبل الإسلام، ولكنه تنافُس يحدث بين الإخوة أحيانًا، وبين أبناء الأب الواحد؛ غير أنه لم يتطور ليصبح تربصًا وعداءً كما يزعم المتزيدون!” (انظر كتاب: “الدولة الأموية المفترى عليها”، ويعد هذا الكتاب من أهمِّ المراجع التي أنصفت بني أمية، ودافعت عن تاريخهم).

زر الذهاب إلى الأعلى

grandpashabet
grandpashabet
Grandpashabet
Grandpashabet
hacklink