مقالات تاريخية

جهود تيودر هرتزل نحو إقامة دولة يهودية

جهود تيودر هرتزل نحو إقامة دولة يهودية

بقلم / د. زين العابدين كامل

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،

إن الحديث حول قضية فلسطين لابد أن يُتناول بشمولية، حيث إن قضية فلسطين لا تنحصر في مدينة غزة وحدها، أو في غيرها من المدن. وهناك بعض المحطات التاريخية المهمة في تاريخ الصراع بين  المسلمين واليهود حول قضية فلسطين، ينبغي أن نبينها لأبنائنا، مع ضرورة توضيح أبعاد الصراع التاريخي والديني في هذه القضية. 

ومن المعلوم أن المؤامرات لا تزال تُحاك ضد أمة الإسلام منذ تأسست دولة الإسلام الأولى بالمدينة المنورة، ولقد لعب اليهود دورًا خبيثًا  خلال العصر النبوي بالمدينة، حيث كثرت جرائمهم ضد المسلمين، ثم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، لعب ابن سبأ اليهودي أيضًا دورًا  خبيثًا خلالَ خلافة عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، مما ترتب عليه مقتل أمير المؤمنين عثمان، ثم وقوع موقعة الجمل. 

ومنذ ذلك العصر ولا تخلوا حقبة من الحقب التاريخية دون مكائد تحاك من قِبل أعداء الأمة، للنيل من وحدتها، وإضعاف قوتها، وقد شمَلت المكائدُ والمؤامرات، مناطق مختلفة، فأحيانًا تكون في المنطقة العربية؛ مصر والشام والعراق والحجاز، أو تكون في بلاد المشرق الإسلامي؛ بلاد فارس وما وراء النهر، أو في بلاد المغرب والأندلس، وقد قع ذلك في عصر الدولة الأموية والعباسية، ودولة الإسلام في الأندلس، وكذا في عصر الدولة العثمانية.

ويعد تيودر هرتزل هو مؤسس الحركة الصهيونية الحديثة في آواخر القرن التاسع عشر الميلادي، ويعد كتابُه – الدولة اليهودية –  هو الترجمة العملية لتحقيق حلمه بإقامة وطن لليهود.

هرتزل يهودي الأصل، وُلد في المجر في مايو 1860م، ثم درس الحقوق في جامعة فيينا بالنمسا، ثم عمل في المجال الأدبي، وعمل مراسلًا صحفيًا في باريس لجريدة الحرة الجديدة، منذ عام 1891م، وحتى عام 1895م. وقد انشغل هرتزل بأمر اليهود، حيث كان يحمل هم اليهود في العالم، و يتبنى فكرة أن يقيم اليهود وطنًا لهم يجتمعون فيه، بدلًا من تفرقهم في البلاد المختلفة، ومن هنا كتب هرتزل كتابه – الدولة اليهودية -، وتم نشر الكتاب في عام 1896م، وكان هرتزل وقتها في الخامسة والثلاثين من العمر،  وقد تم نشر الكتاب باللغة الألمانية، ثم ترجم إلى الإنجليزية.

لم يكن هرتزل هو أول من فكر في فكرة إقامة وطن لليهود، فلقد سبقه آخرون، ولكن هرتزل هو من نجح بالفعل، حيث استطاع أن يصيغ الفكرة ثم بلورها وجعلها قضية أمة. ولم تكن فلسطين في بداية الأمر هي المقصودة بذاتها، بل كان الهدف هو إقامة وطن لليهود في أي مكان يصلح لذلك، فلقد اقترح البارون – دو هيرش – إقامة وطن لليهود في الأرجنتين، وقد عرض هرتزل عام 1903م، أن يكون في أوغندا، إلا أن اليهود اتفقوا في النهاية على أرض فلسطين.

لقد كان هرتزل يؤمن بفكرته،ويتمتع بهمة عالية في السعى لتحويلها إلى واقع بشتى السبل، ولذا طاف العالم يطلبُ المساندة ويعرض مشروعه، فقابل إمبراطور ألمانيا، والسلطان عبد الحميد الثاني، ووزير خارجية بريطانيا، ووزير داخلية روسيا، والبابا في روما، والزعيم مصطفى كامل في مصر، وغيرهم كثير، ولا يخفى على أحد موقف السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله، وهو الذي رفض أن يسمح لليهود بأن يقيموا بفلسطين، بل وقام بزجر هرتزل، وذلك عندما قابله هرتزل وطلب منه أن يسمح لليهود بأن يقيموا في فلسطين.

ثم هرتزل دعا أعلام وأقطاب اليهود في العالم لعقد مؤتمر يخص اليهود، وبالفعل عُقد المؤتمر الأول في مدينة بازل بسويسرا في أغسطس من عام (1897م)، وجاء في خطاب افتتاح هذا المؤتمر: ” إننا نضع حجر الأساس في بناء البيت الذي سوف يؤوي الأمة اليهودية “، ثم اقترح هرتزل برنامجًا لتحقيق هذا الهدف، تبدأ الفكرة بأن يمنح اليهود أرضًا يتجمعون فيها، ويهاجر إليها اليهود لاسيما الذين يعانون من عمليات اضطهاد، واقترح إنشاء شركة يهودية لبحث ودراسة الملفات والمسائل المالية والاقتصادية التي يحتاجها اليهود لتنفيذ خطتهم، وتحدث هرتزل عن النقاط والقضايا الكبرى اللازمة لإقامة الدولة، كاللغة والجيش والقوانين، وكيفية شراء الأراضي، ووضع هرتزل كل الحلول لأي مشاكل متوقعة، ليسد الطريق على أي معارض، أو معرقل، أمام حلم إقامة الدولة،حتى إنه تطرق للحياة المجتمعية في مجتمع اليهود الجديد، ككيفية تصفية أعمال المهاجرين من اليهود إلى الوطن الجديد، وكيفية نقل بضائعهم، حتى تحدث عن المساكن والمستوطنات التي سيعيش فيها اليهود، وكيفية توفير وسائل الترفيه لهم.    

 وبهذا لم يجعل هرتزل من فكرته فكرة نظرية فقط، بل اهتم بإيجاد حلول للمشكلات التي من الممكن أن تواجه المهاجرين اليهود. 

وقد شهد هرتزل بعد ذلك خمسة مؤتمرات صهيونية أخرى، ثم توفي في فيينا عام(1904م)، وتم نقل ما تبقى من رفاته إلى مدينة القدس عام (1949م)، بعد تأسيس وإقامة دولة اليهود عام 1948م. 

لقد قام اليهود  بدراسة حال المستعمرين، فوجدوا أن دولة بريطانيا هي أنسب من يقوم بهذا الأمر، وذلك لرغبتها  في وضع داء سرطاني خبيث في وسط الأمة الإسلامية، على أن يكون مواليًا  للغرب، لاسيما وأن  بريطانيا تحتل كثيرًا من الدول العربية، وهنا تلاقت مصالح الحركة الصهيونية مع مصالح الدول الأوروبية وخاصة بريطانيا أيام كانت عظمى، وبالفعل تم اتخاذ خطوات مهمة لتحقيق ما يرومونه ويسعون إليه، ولذلك أصدرت بريطانيا وعداً من “بلفور” رئيس وزرائها، ثم وزير خارجيتها عام (1917م)، أعلن فيه أن بريطانيا تمنح اليهود حق إقامة وطن لهم على أرض فلسطين.

ومن المؤسف أن أقول: حتى وإن لم يشهد هرتزل مرحلة قيام الدولة اليهودية، لكنه مات وهو على الطريق نحو إقامتها.

فهذا رجل سخر حياته من أجل أمته ومستقبلها.

فأين نحن من هذه الهمة؟ وهذه العزيمة؟ فنحن أولى وأحق بها من هؤلاء.

والله المستعان.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى