بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،
تُعد مدينة غزة من أقدم مدن العالم، فهي تضرب بجذورها في عمق التاريخ الإنساني، فهي ليست وليدة عصر من العصور، بل هي رفيقة العصور المختلفة.
ولقد لعبت مدينة غزة دورًا سياسيًا وعسكريًا كبيرًا عبر التاريخ، ولذا كانت غزة، ولا تزال محطة رئيسية عبر محطات التاريخ.
ورغم تعاقب كثير من الأمم والحضارات على مدينة غزة، كالفرعونية، والآشورية، والفارسية، واليونانية، والرومانية، إلا أن العرب هم أول من دخلوا المدينة، وكان ذلك خلال القرن السابع عشر قبل الميلاد تقريبًا، وقيل بل كان قبل الميلاد بثلاثة آلاف عام.
ولقد كان المصريون من أهم العناصر السكانية الذين استوطنوا غزة على مر الأحقاب التاريخية، وذلك منذ عصر الفراعنة، حيث كانت غزة ولا تزال هي حلقة الاتصال بين مصر والشام، وكان المصريون الفراعنة يسمونها هازاتي و عزاتي.
وكل من أراد من ملوك الفراعنة أن يغزو سوريا كان لابد أولا أن يحتل مدينة غزة.
وقد ذكر بعض المؤرخين، أن الفلسطينيين قد فتحوا غزة قديمًا، وهم الذين أعطوها لقلبها الحالي، وقد اختُلف في تعيين أصلهم، فهناك من قال أنهم أتوا من شمال سوريا، وقيل بل جاءوا من جزيرة كريت اليونانية، وكانوا يسيطرون على جميع المدن الواقعة ما بين عكا حتى العريش.
ولقد دخل بنو إسرائيل مدينة غزة في عصر سليمان عليه السلام، فلقد دانت له تلك البلاد من الفرات وحتى حدود مصر.
ويذكر المؤرخ الفلسطيني عثمان مطاوع في كتابه – إتحافُ الأعزة في تاريخ غزة – أن غزة لم تقع قط في ملك بني إسرائيل وأنهم في عصر سليمان وصلوا إلى أبوابها وحدودها فقط، والسبب في ذلك الحماية المصرية التي كانت عليها.
وكانت غزة في العصر اليوناني يقصدها الطلاب من بلاد اليونان من أجل التعلم فيها، حيث كانت تتمتع بكثير من المدارس العلمية.
وقد كانت غزة تلعب دورًا تجاريًا كبيرًا خلال العصور المختلفة، ولذلك كان السبائيون وغيرهم من الأمم يؤمونها بقوافلهم التجارية.
وقد ملكت الدولة الرومانية مصر والشام عام 30 ق.م، أي قبل ميلاد عيسى عليه السلام.
وكان اسكندر يانيوس قد غزا مدينة غزة عام 96 ق.م، وحاصرها لمدة عام كامل، ثم فتحها وخربها، ثم قام الرومان بإعادة بنائها وشيدوها، كما شيدوا مدينة بيت المقدس وأطلقوا عليها إلياء، ( أي بيت الرب ).
ثم لما تولى المَلك أغسطس، وفي عصره ولد عيسى عليه السلام، كان يوليوس ملكًا على فلسطين، وكانت غزة في عصر يوليوس تتمتع بإدارة مستقلة، وكان هِيرُودِس الآدومي حاكمًا على اليهود بالقدس، و مع أن هيرودس قد اعتنق اليهودية لكنه كان يحب التقاليد الرومانية.
وكان هيرودس يحب غزة ويقول عنها هي مدينة عظيمة، وبعد وفاة هيرودس أصبحت غزة مقاطعة رومانية، وازدهرت في العلم والتجارة والعمران.
وعاشت غزة كما يذكر المؤرخ الفلسطيني عارف العارف في كتابه – تاريخ غزة -، حرة مستقلة طيلة الحكم الروماني، ولكن انتشرت فيها عبادة الأوثان، كما كان للفلسفة الأفلاطونية فيها عدة مدارس.
وقد سك الرومان أثناء احتلالهم لفلسطين عملات رومانية وقد ذكروا على بعض النقود اسم مدينة غزة.
وعندما كانت غزة تدار من قبل إمبراطور روما، تحولت إلى مستعمرة عسكرية للرومان،
وفي عام 66م، قامت حرب بين اليهود والرومان، فذبح الرومان عددًا كبيرًا من اليهود، حيث قتلوا في قيسارية عشرين ألفًا، وفي بيسان ثلاثة عشر ألفًا، وفي عكا وعسقلان أربعة آلاف، ثم تغلب اليهود وأحرقوا عسقلان وغزة.
ومن تدبر حركة دوران التاريخ يعلم أهل غزة من أغير الناس على دِينهم وعرضهم وشرفهم، فهم أهل البأس والصمود، والجهاد والثبات، الذين سطروا تاريخًا مشرقًا، وخاضوا نيابة عن الأمة حروبًا ودروبًا، لقنوا فيها الأعداء دروسًا قاسية، لن تمحى من صفحات التاريخ. ونستكمل في المقال القادم بمشيئة الله تعالى.