مقالات تاريخية

قتيبة بن مسلم وفتح إقليم طخارستان وبخارى

مراحل فتوحات قتيبة بن مسلم (1)

تحدثنا في مقالنا السابق عن فتوحات القائد الأموي قتيبة بن مسلم الباهلي، وكان حديثنا دون تفصيل، ونستعرض في هذا المقال المرحلتين: الأولى والثانية من مراحل جهاد وفتوحات قتيبة رحمه الله تعالى.

المرحلة الأولى: مِن عام (86 -87 هـ):

استطاع قتيبة خلال تلك المرحلة أن يفرض سيطرته على إقليم طخارستان، وهو إقليم كبير يقع على ضفتي نهر جيحون، علمًا بأن هذا الإقليم قد فُتح على يد الأحنف بن قيس في خلافة عثمان، ولكن لم تستقر فيه الأوضاع واستمرت فيه التوترات؛ لذا فإن قتيبة أعاد فتحه مرة أخرى، وذلك قبل أن يتقدم إلى ما وراء النهر.                                                                                                                        لقد سار قتيبة بجيوشه نحو الطالقان([1])، والصَغَانيان، وطخارستان([2])، وشومان([3])، وأخْرون([4])، وكاشان([5])، وأورشت([6])، وفتح أخسيكت([7]) وهي مدينة (فرغانة) القديمة، وبهذا الفتح الكبير بسط قتيبة سلطانه، وعظم نفوذه منذ البداية([8]).  

المرحلة الثانية: من عام (87 -90 هـ) فتح إقليم بخارى:

كانت مدينة بيكند هي أول مدينة غزاها قتيبة في هذا الإقليم.

قال الإمام الطبري رحمه الله: “إن قتيبة لما صالح نيزك، أقام إلى وقت الغزو ثم غزا في تلك السنة 87هـ، فقطع النهر وسار إلى بيكند، وهي أدنى مدائن بخارى إلى النهر، فلما نزل قريبًا منها استنصروا الصُغْد([9])، واستمدوا من حولهم، فأتوهم في جمعٍ كثيرٍ، وأخذوا بالطريق فلم ينفذ لقتيبة رسول ولم يصل إليه رسول، ولم يعرف له خبر شهرين، وأبطأ خبره على الحجّاج، فأشفق الحجّاج على الجند، فأمر الناس بالدعاء لهم في المساجد، وكتب بذلك إلى الأمصار، وهم يقتتلون كل يوم، فكانت بين الناس مشاولة([10])، ثم تزاحفوا والتقوا وأخذت السيوف مأخذها وأنزل الله على المسلمين الصبر، ثم منح الله المسلمين أكتافهم فانهزموا يريدون المدينة وأتبعهم المسلمون؛ فشغلوهم عن الدخول فتفرقوا وركبهم المسلمون قتلًا وأسرًا كيف شاءوا، واعتصم مَن دخل المدينة بالمدينة وهم قليل، فوضع قتيبة الفَعَلة في أصلها ليهدمها، فسألوه الصلح فصالحهم، واستعمل عليها رجلًا من بني قتيبة، ولكنهم سرعان ما نقضوا الصلح، وقتيبة منهم على خمسة فراسخ فرجع إليهم، وقتل مَن كان في المدينة، وغنم غنائم كثيرة، ورجع قتيبة إلى مرو، وقوي المسلمون، فاشتروا السلاح والخيل وتنافسوا في حسن الهيئة والعدة([11])، واستمرت حملات قتيبة على إقليم بخارى في هذه المرحلة بصفةٍ منظمةٍ كل سنة، وكان غزوه يتم في فصل الصيف فإذا دخل الشتاء عاد إلى مرو.

وفي سنة 88هـ ترك أخاه بشارًا على مرو، وعبر النهر ففتح نومشكت ورامثنة من أعمال بخارى صلحًا بناءً على طلب أهلها([12])، ثم تحالف أهل فرغانة والصغد في مائتي ألف، ودخلوا حربًا شرسة مع المسلمين، وكانت القيادة في هذا الحلف لابن أخت ملك الصين كور مغايون، ولكنَّ الله تعالى نصر المسلمين عليهم، وعاد قتيبة إلى مرو مرة أخرى.

وفي عام 89هـ استأنف قتيبة فتوحاته وقصد بخارى هذه السَّنة بناءً على أوامر الحجّاج، فلقيه في طريقه جمع من أهل كش ونسف، فظفر بهم وانتصر عليهم، ثم استكمل المسير إلى بخارى، فتصدى له ملك بخارى “وردان خذاه”، فلم يستطع الاستيلاء عليها، فرجع إلى مرو، وكتب إلى الحجّاج يخبره فطلب منه الحجّاج أن يصورها له فبعث إليه بصورتها، فنصحه وأمده وعرفه الموضع الذي يأتيها منه، وأمره بالمسير إليها، فسار إليها سنة 90هـ، وهنا استنجد وردان خذاه بالترك والصغد، ودخل الجيشان في معركة شرسة شديدة؛ إلا أن الله تعالى وفقه وانتصر عليهم وسيطر على بخارى، وكتب بالفتح إلى الحجّاج، وبهذا استكمل قتيبة فتح إقليم بخارى كله في ثلاث سنوات([13]).

ونستكمل الحديث حول فتوحات قتيبة في مقالنا القادم بمشيئة الله تعالى.

([1]) بلد في خراسان بين مرو الروذ وبلخ.

([2]) طخارستان: ولاية واسعة تشمل عدة بلاد، وهي من نواحي خراسان.

([3]) شومان: بلد الصغانيان من وراء نهر جيحون. معجم البلدان (5/310).

([4]) أخْرون: الظاهر أنها مدينة قريبة من شومان.

([5]) كاشان: مدينة فيما وراء.  معجم البلدان (7/ 207).

([6]) أورشت: مدينة من مدن فرغانة.

([7]) أخسيكت: اسم مدينة بما وراء النهر.

([8]) تاريخ الرسل والملوك (3/323).

([9]) الصُغْد: بالضم ثم السكون، وآخره دال مهملة. قال ياقوت: “كورة عجيبة، قصبتها سمرقند، وهي فيما يقال: أحد جنان الدنيا الأربع، وهي قرى متصلة خلال الأشجار والبساتين من سمرقند إلى قريب من بخارى، لا تبين القرية حتى تأتيها؛ لالتحاف الأشجار بها، وهي مِن أطيب أرض الله، كثيرة الأشجار، غزيرة الأنهار، متجاوبة الأطيار” [معجم البلدان (3/406)].

([10]) أي: القتال بالرماح.

([11]) تاريخ الرسل والملوك (6/436)، الكامل في التاريخ (4/528).

([12]) تاريخ الرسل والملوك (6/436).

([13]) تاريخ الرسل والملوك (6/436)، الكامل في التاريخ (4/542)، العالم الإسلامي في العصر الأموي (ص  298).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى