رسائل البريد العاجل إلى الشباب الحائر (1)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد؛
لاشك أن أمتنا تمر بمرحلة خطيرة، لاسيما ونحن نعانى من حالة متردية ومتدنية فى القضايا المختلفة، فى الفكر والسياسة والاقتصاد والتعليم والأخلاق …إلخ، ولابد للأمة أن تقوم من مرقدها، ولن يكون ذلك إلا بوجود حالة من اليقظة، واليقظة بطبيعة الحال تكون متوفرة عند الشباب أكثر من غيرهم، لذا نقول إن الشباب هم صناع الحياة، وهم الأمل والمستقبل، فشبابُ الأمة هم مصدرُ قوتِها، وصُنَّاعُ مجدِها، وصِمامُ أمنها وحياتِها، وعنوانُ مستقبلِها، فهم يملكون الطاقةَ والقوةَ، والشباب هم عنوان النماء، وسبيل البناء، الشباب مصدر للقوة، ومنطلق للخير، ومشروع للحضارة، وميدان للعطاء؛ ومن ثم لم تبكِ العرب على شيء كما بكت على الشباب، حتى قال أبو العتاهية :
بكيْتُ على الشّبابِ بدمعِ عيني *** فلم يُغنِ البُكاءُ ولا النّحيبُ
فَيا أسَفًا أسِفْتُ على شَبابٍ *** نَعاهُ الشّيبُ والرّأسُ الخَضِيبُ
عريتُ منَ الشّبابِ وكنتُ غضا *** كمَا يَعرَى منَ الوَرَقِ القَضيبُ
فيَا لَيتَ الشّبابَ يَعُودُ يَوْمًا *** فأُخبرَهُ بمَا فَعَلَ المَشيبُ والشباب
عبارة عن قوة بين ضعفين، ضعف الشيخوخة وضعف الطفولة، ومرحلة الشباب تستمر حتى سن الأربعين، وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم باغتنام هذه المرحلة،كما فى الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لرجل وهو يعظه: “اغتنم خمسًا قبل خمس؛ شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك”. (رواه الحاكم وقال صحيح على شرطهما وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب).
وهذه المرحلة العمرية هى أفضل المراحل ولذا يدخل أهل الجنة الجنة وهم شباب، فمن مزايا الشباب عند الله تعالى، أن جعل سكان جنته شبابا، وإذا تأملنا أحوال الشباب نجد أنهم صنعوا حضارات وأقاموا أممًا، ولقد انتصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشباب وأول من آمن به الشباب وأول من بايعوه فى بيعتى العقبة هم الشباب، وأول من أرسلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مجال الدعوة إلى الله هم الشباب،كمصعب ومعاذ وغيرهما،وفى غزوة بدر كان الانتصار حليف الشباب من الصحابة، وعن الحسن، قال: “يقول الله يوم القيامة للشاب التارك شهوته من أجله، المبتذل شبابه له: أنت عندي كبعض ملائكتي. وروى فى بعض الآثار أن الله يباهى بالشاب العابد الملائكة، يقول: انظروا إلى عبدى ترك شهوته من أجلى”. وعن أنس مرفوعًا. أرحمُ أُمَّتي بِأُمَّتي أَبُو بكر، وأشدُّها حَيَاء عُثْمَان، وأعلَمُهَا بالحلال وَالْحرَام معَاذ بن جبل، وأقرؤها لكتاب الله تَعَالَى أُبِيّ بن كعب، وأعلَمُهَا بالفرائض زيد، وَلكُل أُمَّةٍ أمينٌ، وأمينُ هَذِه الأُمّة أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح .قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ الْحَاكِم: إِسْنَاده صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وفى رواية لابن ماجة وأقضاهم على بن أبى طالب، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب أن يقرأ القرآن غضًّا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد، وهو عبد الله بن مسعود. أخرجه أحمد في المسند وابن ماجة في سننه والحاكم في المستدرك.
فإذا نظرنا إلى ابن مسعود ومعاذ بن جبل وأبى بن كعب وزيد بن ثابت ومصعب بن عمير وعلى بن أبى طالب وغيرهم ممن ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجدناهم شبابًا، وعَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسْأَلُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الشَّيْءِ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ يَقُولُ: غُصْ غَوَّاصُ، فلك أن تتخيل أن أمير المؤمنين عمر كان إذا أُشكل عليه أمر أو جاءته معضلة أو أهمه أمر يعود إلى أحد الشباب ويأخذ برأيه وكان رضى الله عنه يكثر من مجالسة الشباب، وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضى الله عنه، أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَأَى الشَّبَابَ، قَالَ: مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَرَنَا أَنْ نُحَفِّظَكُمُ الْحَدِيثَ، وَنُوَسِّعَ لَكُمْ فِي الْمَجَالِسِ، فلا شك أن مرحلة الشباب هي أهم مرحلة في حياة الإنسان فهي مرحلة القوة والفتوة والنشاط، فإذا استغلها الإنسان أدرك ونال ما لا يمكن أن يحظى به أو يدركه أو يناله في غير هذا السن، ولأهمية هذه المرحلة العمرية وخطرها سيُسأل عنها الإنسان بصفة خاصة؛ فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع خصال؛ عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل فيه”. رواه البزار والطبراني بإسناد صحيح قال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (صحيح لغيره) وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “ما آتى الله عز وجل عبدًا علمًا إلا شابًّا، والخير كله في الشباب، ثم تلا قوله عز وجل: (قالوا سمعنا فتى يذكرهم يُقال له إبراهيم)، وقوله تعالى: (إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى)، وقوله تعالى: (وآتيناه الحكم صبيًّا) وهذا أسامة بن زيد رضي الله عنهما أمّره صلى الله عليه وسلم على الجيش وكان عمره ثماني عشرة سنة، وهذا عتَّاب بن أسيد استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على مكة لما سار إلى حنين وعمره نيف وعشرون سنة،
فتية أصحاب الكهف،
ولقد ذكر الله تعالى فى القرآن العظيم قصة مجموعة من الشباب، ثبتوا على الإيمان، ورفضوا الواقع الذى يعيشون فيه، وهم أصحاب الكهف، ففي مجتمع فاسد، ظهرت مجموعة من الشباب العقلاء. ثلة قليلة حكّمت عقلها، ورفضت السجود لغير خالقها، قال تعالى فى سورة الكهف (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا . إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا . فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا . ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا . نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) و(الْفِتْيَة) جمع فتى، وهو الشاب الكامل القوة والعزيمة. فذكر تعالى أنهم فتية، وهم أقبل للحق، وأهدى للسبيل من الشيوخ الذين قد عتوا وانغمسوا في دين الباطل؛ ولهذا كان أكثر المستجيبين لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم شبابًا، وأما المشايخ من قريش فعامتهم بقوا على دينهم ولم يسلم منهم إلا القليل، وهكذا أخبر تعالى عن أصحاب الكهف أنهم كانوا فتية شبابًا. قال مجاهد: بلغني أنه كان في آذان بعضهم القرطة يعني: الحلق، حيث كانوا صبيانًا أو شبابًا في أول نشأتهم، وكان من عادتهم في ذلك الزمان أن صغار السن يجعلون الحلق في آذانهم كالنساء، فآمنوا بربهم أي: اعترفوا له بالوحدانية وشهدوا أنه لا إله إلا الله، وهذا يدلنا على أهمية دور الشباب، وأن الشباب هم وقود هذه الدعوة، وهم المحركون دائمًا للدعوة، والجهاد والبذل، والتضحية في سبيل الله سبحانه وتعالى، فأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان أكثرهم شبابًا، والنبي صلى الله عليه وسلم قد رغب في من نشأ في عبادة الله شابًا وقال: “سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله”، ففترة الشباب فترة عظيمة الخطر؛ فإما الانحراف وإما الاهتداء، ومثل هذا الأمر كان مع موسى عليه السلام قال الله عز وجل عن موسى: (فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ) [يونس:83]، فما آمن من المسلمين في زمن موسى إلا ذرية قلة من الشباب الذين آمنوا من أهل مصر، فآمنوا بموسى صلى الله عليه وسلم على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم.
ونستكمل فى المقال القادم بمشيئة الله تعالى.