رسائل البريد العاجل إلى الشباب الحائر (2)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،
لقد ذكرنا فى المقال السابق أن الأمة لن تقوم من مرقدها إلا بقيام الشباب؛ لأن الشباب هم صناع الحياة، وهم عنوان النماء وسبيل البناء، ومشروع للحضارة، وقد رأينا كيف أن فتية أصحاب الكهف كانوا مجموعة من الشباب فى مجتمع فاسد مشرك، فاسيقظوا وقاموا قومة أهل اليقظة، فثبتوا على الإيمان، ورفضوا الواقع الذى يعيشون فيه، وهذا ما نحتاجه من شباب اليوم، نحتاج اليقظة، وهى انزعاج القلب من ورطة الغفلة لروعة الانتباه؛ لأن يقظة القلب هى نقطة البدء وبداية الانطلاق قال تعالى، (وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ) إذ قاموا فقالوا، هذه القومة هى اليقظة، لذا نقول إن الشباب باستطاعتهم أن يغيروا مجرى التاريخ لو قاموا واستيقظوا، ومن النماذج الفريدة فى الجيل الفريد، عمير بن أبى وقاص رضى الله عنه.
عمير بن أبي وقاص رضى الله عنه
هذه اليقظة التى حركت عمير بن أبى وقاص رضى الله عنه، وهو أخو سعد بن أبى وقاص. وأمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس، كان عمير رضى الله عنه من أول الذين دخلوا في الدين الإسلامي، وأسلم عمير بن أبي وقاص على يد الصحابي الجليل أبي بكر الصديق.
وتميز عمير بحبه الشديد للجهاد، مع صغر سنه، ويروى عامر بن سعد عن أبيه قال: رأيت أخي عمير بن أبي وقاص قبل أن يعرضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم للخروج إلى بدر يتوارى، فقلت: ما لك يا أخي؟ فقال: إني أخاف أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستصغرني فيردني وأنا أحب الخروج؛ لعل الله يرزقني الشهادة، قال: فعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستصغره، فقال: ارجع فبكى عمير، فأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال سعد: فكنت أعقد له حمائل سيفه من صغره، فقتل ببدر وهو ابن ست عشرة سنة، قتله عمرو بن عبد ود، وكان هذا من صناديد قريش، فتأمل حال من هو فى سن عمير اليوم، ما الذى يشغلهم وما الذى يحركهم، وما الهمُّ الذى يحملونه؟! فعمير شاب حمل هم أمته ودينه، وشعر بالمسئولية تجاه أمته، لذا سارع إلى الجهاد ليحقق لنفسه مرتبة عالية فى الآخرة وليحقق لأمته مرتبة عالية فى الدنيا، ومن هؤلاء الشباب أيضا: الزبير بن العوام.
الزبير بن العوام رضى الله عنه
هو الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي، أبو عبد الله حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت عبد المطلب، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى بعد مقتل عُمر.
إذا تأملنا سيرته نرى أن الزبير أسلم قديمًا وهو ابن ثماني سنين وقيل ابن ست عشرة سنة فعذبه عمه بالدخان لكي يترك الإسلام فلم يفعل، وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرتين جميعا ولم يتخلف عن غزاة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أول من سل سيفًا في سبيل الله وكان عليه يوم بدر ريطة صفراء ( الرَّيْطَةُ هى الملاءة إذا كانت قطعة واحدة وكل ثوب يشبه الملحفة ) معتجرًا بها ( أى ملتفًا بها وثبت أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم اعْتَجَرَ يوم دخل مكة يوم الفتح دخل معتجِرًا بعمامة سوداء) وكان على الميمنة فنزلت الملائكة على سيماه وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وبايعه على الموت.
وعن سعيد بن المسيب قال أول من سل سيفًا في سبيل الله الزبير بن العوام، بينا هو بمكة إذا سمع نغمة (يعني صوتا ) أن النبي، صلى الله عليه وسلم قد قُتل فخرج عريان ما عليه شيء، في يده السيف صلتا فتلقاه النبي صلى الله عليه وسلم كفة بكفة فقال له: “ما لك يا زبير؟ ” قال سمعت أنك قد قُتلت قال: “فما كنت صانعًا؟ ” قال أردت والله أن استعرض أهل مكة وأقتل من قتلك، قال، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم (أخرجه الحاكم، وابن عساكر، وأبو نعيم في حلية الأولياء). وعن جابر بن عبد الله قال لما كان يوم الخندق ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فانتدب الزبير ثم ندبهم فانتدب الزبير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لكل نبي حواري وحواريي الزبير” أخرجاه في الصحيحين.
فإذا تأملنا حال الزبير هو شاب فى مقتبل عمره، نرى مرحلة اليقظة هى المحرك له فى حياته منذ أسلم رضى الله عنه، لذا استطاع الشباب أن يغيروا مجرى التاريخ فى أرض الحجاز مع بداية الدعوة فى فترة يسيرة، والتفوا جميعًا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصنعوا مستقبلا وأسسوا أمة وأنشأوا حضارة إسلامية يتحاكى بها الجميع، وذلك لأن الشباب هم الشريحة الأكثر أهمية في أي مجتمع وإذا كانوا اليوم يمثلون نصف المجتمع فى الحاضر فإنهم في الغد سيكونون كل المستقبل، فالشباب يسهمون بدور فاعل في تشكيل ملامح الحاضر واستشراف آفاق المستقبل، والمجتمع لن يكون قويًّا إلا بشبابه والأوطان لا تبنى إلا بسواعد شبابها، ولذلك فإن جميع الأمم والشعوب تراهن دومًا على الشباب فى صناعة الحاضر المشرق لأنهم العنصر الأساسي في أي تحول تنموي أو سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو دعوى، فهم الشريحة الأكثر حيوية وتأثيرًا في أي مجتمع كان، ومنهم يخرج القادة بقوة آرائهم ونضجهم الفكري المقرون بالطاقة الحركية والقوة العقلية والجسدية، بل وهم خط الدفاع الأول والأخير وهم حراس الحدود لكل أمة، يحرسون قوتها وفكرها وحضارتها وتراثها وتاريخها وممتلكاتها، ونستكمل فى المقال القادم بمشيئة الله تعالى.