مقالات متنوعة

معاناة المسلمين واضطهادهم في بلاد الهند

يتعرض المسلمون في بلاد الهند إلى أبشع الجرائم وأعظمها على مستوى  العالم الإنساني، حيث يتم ملاحقة المسلمين ويتم الاعتداء عليهم وقتلهم، بل وتعمل الحكومة الهندية على تحويل الهند إلى دولة هندوسية، وذلك من خلال دعم الحكومة للقومية الهندوسية، وتهميش ما عدا ذلك من القوميات، لاسيما الإسلامية، ولذا قامت الحكومة الهندية بمجموعة من  الإجراءات التعسفية الهمجية الظالمة ضد المسلمين، ومن هذه الإجراءات: إلغاء الحكم الذاتي الذي كان يتمتع به إقليم جامو وكشمير والذي يتكون غالبية سكانه من المسلمين، ثم رفض منح الجنسية لكثير من المسلمين.

وقد وقعت عدة مجازر ضد المسلمين خلال السنوات الماضية، و لم ترحم الاعتداءات الهندوسية النساء المسلمات والأطفال وكبار السن، وفي كل مجزرة ضد المسلمين تتواطأ الشرطة الهندية مع العصابات الهندوسية، هذا ولم تسلم حتى المباني والمساجد والمحال التجارية التي يمتلكها المسلمون في الهند من هذه الاعتداءات الغاشمة المتكررة، حيث تقوم العصابات الهندية بمهاجمة المساجد والمحال التجارية وإشعال النيران فيها، بل ويتم رفع الأعلام الهندوسية عليها.
ورغم أن نسبة المسلمين في الهند تصل إلى 15% تقريبًا، وهو ما يعادل 20 مليون نسمة تقر يبًا، إلا أن الحكومة الهندية تتعامل معهم على أنهم طبقة ثانية في المجتمع، وتنزع منهم حقوقهم السياسية والمجتمعية، وتقوم بتهجيرهم وتشريدهم.

ولقد تعددت وتكررت محاولات الاعتداء على المسلمين بالهند، ومن الجرائم ما حدث عام 1964 م، في ولاية كلكتا، والذي  أدّی إلى مقتل أكثر من مائة شخص، وإصابة 438 آخرين واعتقال أكثر من سبعة ألف. وقد فرّ 70 ألف مسلم من ديارهم، ثم قعت مذبحة نيلي ضد سكان مسلمين في ولاية أسام الهندية في عام 1983م، وتم فيها ذبح ما يقرب من 1800 مسلم.

ثم ما حدث بمنطقة مظفر نجار التابعة لولاية أتر برديش الهندية عام 2013 م، والذي أسفر عن مقتل ما يزيد عن 62 شخصًا بينهم 42 مسلم، و20 هندوسيًا، وجرح 93 آخرين، وتشريد ما يزيد عن 50 ألف شخص. ثم اندلعت أعمال شغب شمال شرق دلهي 2020م.

وفي عام 2019 أفادت بعض المواقع و الجمعيات الحقوقية، أن جرائم الكراهية في الهند يقع أكثر من 90 % منها ضد المسلمين.

والذي يجب على المسلمين تجاه تلك المأساة، أن ينشروا تلك القضية على أوسع نطاق، وأن تقوم الدول الإسلامية بدورها المنوط بها تجاه مسلمي الهند، لاسيما وأن دول الخليج، بها الملايين من الهنود المقيمين والعاملين بها.

ووسط تلك الكراهية وهذا العنف الذي يًمارس ضد المسلمين، يقف الحليم حيرانًا، حيث أن الهند لم تظهر على ساحة العالم ظهورًا حضاريًا، إلا بعد دخول الإسلام فيها.

حيث كانت الديانة المنتشرة في بلاد السند والهند قبل الفتح الإسلامي هي البرهمية، وهي ديانة تقوم على فكرة الحلول وتناسخ الأرواح وألوهية براهما ، وقد كانت هناك ديانات أخرى بجوار هذه الديانة مثل الجينية والبوذية ، ولكن الديانة البرهمية كانت هي الأوسع انتشارًا وهي ديانة الطبقة الحاكمة.

وقد كان كثير من أهل السند والهند يعانون من اضطهاد البراهمة، لذا اعتنق كثير منهم الإسلام مع دخول الفاتحين ، لاسيما الذين فروا من السند إلى بلاد فارس قبل ذلك ، بل ومنهم من لحق بالمسلمين في أرض العراق قبل الفتح ، فأنزلهم أبو موسى الأشعري مدينة البصرة ، وكان ذلك في خلافة علي بن أبي طالب.

هذا وقد أسلم عدد كبير من أهل السند والهند قبيل فتوحات محمد بن القاسم ، وعندما تقدم محمد بن القاسم في السند بعد فتح الديبل ، وجه الدعوة إلى الأمراء والأعيان وعامة الشعب للدخول في دين الإسلام ، فاستجاب له كثيرون وبصفة خاصة من البوذيين ، بل وأثناء المعركة الرئيسية بين محمد بن القاسم وداهر ملك السند ، انضمت فرقة كاملة من جيش داهر إلى المسلمين ، وبالفعل أعلنوا إسلامهم وحاربوا جيش داهر ، وهكذا أخذ أهل السند يدخلون الإسلام قبل الفتح وأثنائه وبعده ، حتى أسلم بعد ذلك كثير من الحكام والأمراء ومنهم كاكه بن جندر ، وهو حاكم منطقة الباتيه الواسعة ، وهو ابن عم داهر.

 ومن هنا نستطيع أن نؤكد على أن الناس كانوا يدخلون في الإسلام طواعية واختيارًا لا كرهًا وإجبارًا، هذا وقد اهتم محمد بن القاسم ببناء المساجد في سائر المدن، وكان لبناء المساجد أثر كبير في نشر الإسلام بين الناس، ثم لما تولى عمر بن عبد العزيز رحمه الله، وكان ذلك عام 99 هـ ، أرسل إلى بقية الملوك وودعاهم إلى الإسلام على أن يكون لهم ما يملكونه في بلادهم ، فدخل بعضهم في الإسلام، ومن هنا نلحظ أن أهل السند والهند كانوا أسرع من غيرهم في دخول الإسلام، والسبب في ذلك هو أنهم وجدوا في دين الإسلام ما كانوا يفتقدونه في أديانهم السابقة، حيث كانوا يفتقدون المساواة والعدالة، وكانوا يعانون من الإضطهاد والطبقية، وقبل كل ذلك فإنهم وجدوا ضالتهم الروحية واتصالهم بربهم الحق الواحد الذي لا شريك له.
هذا وقد اتسم العصر الأموي في تلك البلاد في هذه المرحلة بالعدل والإحسان واحترام الناس  والحفاظ على ممتلكاتهم ، مما أدى إلى دخول عدد كبير من البراهمة الذين كانوا لا يعانون شيئًا من الإضطهاد إلى الدخول في دين الله أيضًا، ومما ساعد أيضًا على انتشار الإسلام حركة الهجرات العربية إلى تلك البلاد بعد فتحها، وهكذا تحول الجميع من حالة الرق والعبودية المظلمة، إلى حالة العبودية الاختيارية لله وحده لا شريك له.

وخلاصة القول أن بلاد السند والهند في العصر الأموي أصبحت جزءًا من الدولة المسلمة وانتشر الإسلام بين ربوعها ، بل وشاركت تلك البلاد في صناعة الحضارة الإسلامة.([1]) وإذا أردنا أن نقف على حقيقة الأوضاع في تلك البلاد، وما أحدثه الإسلام هناك من قفزة حضارية هائلة، فلنرجع إلى أحد أبناء الهند، وهو الأستاذ أبو الحسن الندوي.

وقبل أن نذكر شهادة الأستاذ أبو الحسن الندوي ، نذكر تعريفًا عنه، فلقد ولد بقرية «تكية» بمديرية «راي بريلي» في الولاية الشمالية بالهند في 6 محرم 1333هـ الموافق 1914 م ، وحفظ القرآن الكريم، وتعلم الأردية والإنجليزية والعربية ،ثم التحق بدار العلوم لندوة العلماء عام 1929م ودرس علوم الحديث والتفسير والفقه ،وعُين مدرساً في دار العلوم لندوة العلماء عام 1934م ، ودرس العلوم الدينية والأدب العربي ،بدأ رحلاته الدعوية منذ عام 1939م في الهند، وأسس مركزاً للتعليمات الإسلامية عام 1943 م ، واختير عضواً في المجلس الانتظامي لندوة العلماء عام 1948م ، واختير أميناً عاماً لندوة العلماء عام 1961م ، وأسس حركة رسالة الإنسانية عام 1951م ، والمجمع الإسلامي العلمي عام 1959م، في لكنو بالهند ، واختير أول رئيس لها عام 1986م ، وكان عضوا برابطة العالم الإسلامي و رئيس مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية – وكان عضواً في مجامع اللغة العربية في كل من دمشق والقاهرة وعمان ، وكانت وفاته – رحمه الله – يوم الجمعة 23 رمضان 1420هـ 31 ديسمبر 1999م.

يقول الأستاذ أبو الحسن الندوي في تقديمه لكتاب الدكتور عبد الله الطرازي- موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية، “كانت هذه البقعة من الأرض وما جاورها من البلدان تعيش في عزلة من العالم يحكمها ولاة يعتبرون أنفسهم آلهة على الأرض، والناس كانوا يكفرون بين أيديهم، ويقدسونهم كتقديس العبد لربه، وكانت الأرض وخيراتها ملكًا لهم، والناس عبيد عندهم، يفعلوا ما شاؤوا ويحكمون بما أرادوا، الرقاب تحت سيوفهم، والأعراض رهينة شهواتهم، الضعيف المكافح كان أذل من الحيوان، ولم يكن الشرف إلا بالوراثة، أما من ناحية العقيدة، فلم تكن هناك ديانة واحدة، بل ديانات متفرقة، ليس فيما بينها رابط جامع، وكل ما في الأمر أنهم كانوا يعتزون بطقوس وتقاليد ورثوها من آبائهم وتمسكوا بها جهلًا وغرورًا، إن دخول الإسلام إلى بلاد السند وبلاد الهند، كان فاتحة عصر جديد، عصر علم ونور ، وحضارة وثقافة ، فلم يكن العرب المسلمون من طراز أولئك الغزاة الذين إذا دخلوا قرية أفسدوها واعتبروها بقرة حلوبًا، أو ناقة ركوبًا، يحلبون ضرعها، ويركبون ظهرها ويجزون صوفها، ثم يتركونها هزيلة عجفاء.

ولا يعتبرون أنفسهم إلا كالإسفنج يتشرب الثروة من مكان ويصبها في مكان آخر، كما كان شأن الإنجليز في الهند، وفرنسا في الجزائر والمغرب الأقصى، وإيطاليا في طرابلس وبرقة، وهولندا في أندونيسيا.

بل وهب العرب البلاد التي فتحوها أفضل ما عندهم، من عقيدة ورسالة وأخلاق وسجايا، ومقدرة وكفاية، وتنظيم وإدارة، أقبلوا عليها بالعقل النابغ والشعور الرقيق، والذوق الرفيع، والقلب الولوع، واليد الحاذقة الصنّاع، فنقلوها من طور البداوة إلى طور الحضارة، ومن عهد الطفولة إلى عهد الشباب الغض؛ فأمنت بعد خوف، واستقرت بعد اضطراب، وأخذت الأرض زخرفها، وبلغت المدنية أوجها، وتحولت الصحاري الموحشة والأرض القاحلة إلى مدن زاخرة وأرض خصبة، وتحولت الغابات إلى حدائق ذات بهجة، والأشجار البرية إلى أشجار مثمرة مدنية، ونشأت علوم لا علم بها للأولين، وفنون وأساليب في الحضارة لا عهد لهم بها في الماضي، وانتشرت التجارة وازدهرت الزراعة، فكأنما ولدت هذه البلاد في العهد الإسلامي ميلادًا جديدًا ولبست ثوبا قشيبًا”.

فهذه شهادة واحد من أبناء الطرف الشرقي للدولة الإسلامية ، وكما يقال ، وشهد شاهد من أهلها.


([1])  راجع كتاب عبد الشافي عبد اللطيف ، العالم الإسلامي في العصر الأموي.

زر الذهاب إلى الأعلى