مقالات تاريخية

كلمة حول محمد بن القاسم الثقفي

نهاية مؤلمة لمحمد بن القاسم الثقفي

بقلم/ د. زين العابدين كامل

ذكرنا في مقالنا السابق أنه بينما محمد بن القاسم يدبر أمر السند وينظم أحواله بعد الفتح ويستعد لفتح إمارة قنوج وهي أعظم الإمارات في شمال الهند توفي الخليفة الوليد بن عبد الملك عام 96هـ، وتولى أخوه سليمان ( 96 – 99 هـ) الذي بدأ يغير ولاة الحجّاج.

فعين على العراق رجلاً من ألد أعداء الحجّاج، وهو صالح بن عبد الرحمن، الذي كان الحجّاج قد قتل أخاً له اسمه آدم بن عبد الرحمن، كان يرى رأي الخوارج، فقرر صالح بن عبد الرحمن أن ينتقم من أقرب الناس إلى الحجّاج، وهو محمد بن القاسم فعزله عن السند وولى  يزيد بن أبي كبشة، وهكذا أنجز محمد بن القاسم تلك المهمة العظيمة، وانتهت رحلة كفاحه وجهاده نهاية مؤلمة([1])،         فإن محمداً حقق هذه الأمجاد وهو في مقتبل العمر حتى قال فيه الشاعر:

إن الشجاعة والسماحة والندى … لمحمد بن القاسم بن محمد

قاد الجيوش لسبع عشرة حجة … يا قرب ذلك سؤدداً من مولد

وقال فيه الشاعر يزيد بن الأعجم:

ساس الجيوش لسبع عشرة حجة … ولداته عن ذاك في أشغال

فغدت بهم أهواؤهم وسمت به … همم الملوك وسورة الأبطال

كان محمد بن القاسم رمزاً للجهاد الصادق والتضحية الفذّة والصبر الجميل ، أما الذين عذبوه فقد ماتوا وهم أحياء ولانزال حتى اليوم نذكر محمد بن القاسم بالفخر والاعتزاز، ونذكر الذين عذّبوه بالخزي والاشمئزاز ، رحم الله محمد القاسم الشاب المظلوم، الأمير العادل الإداري العبقري العسكري الحازم، لقد بكاه أهل السند من المسلمين، لأنه كان يساويهم بنفسه ولا يتميز عليهم بشيء، ويعدل بالرعية ولأنه نشر الإسلام في ربوعهم، فأرسل دعاته شرقاً وغرباً يجوبون البلاد التي فتحها، وكان أكثر من هداهم الله إلى الإسلام من أهل السند على يديه ، فمنذ الخطوات الأولى للفتح بدأت شخصيات كبيرة تعتنق الإسلام، ثم بعد موته رحمه الله  توقفت الفتوحات في هذه الجبهة عند الحدود التي وصل إليها محمد بن القاسم، ولم يستطع ولاة بني أمية  فيما تبقى من عمر دولتهم أن يضيفوا جديداً، ولكنهم استطاعوا المحافظة على ما تحقق من فتوحات، وبذلوا قصار جهدهم في تثبيت أقدام الإسلام في إقليم السند، ووقفوا بالمرصاد لكل حركات التمرد والثورات التي قام بها الأمراء الهندوس، بعد رحيل محمد بن القاسم ([2]).

 ومن المعلوم أنه بعد أن تولى عمر بن عبد العزيز أمر الخلافة عام 99 هـ ، وذلك بعد وفاة سليمان، نهج نجهًا جديدًا في أمر الفتوحات، فأمر بوقف الفتوحات واهتم بنشر الإسلام وتوطيد اقدامه في الأراضي الشاسعة التي سيطر عليها المسلمون، وبالفعل دخل كثير من أهل السند الإسلام وتسموا بأسماء عربية ومنهم ابن داهر نفسه، وبعد وفاة عمر بن عبد العزيز عاد التمرد في السند مرة أخرى وعادت الحركات الثورية المعارضة ولكن استطاع الأمويون أن يحافظوا على بلاد السند وأن يسيطروا على الأوضاع.

[1])) لقد أمر صالح يزيد بالقبض على محمد، فقبض عليه وأرسله إليه، فحبسه في واسط في رجال من آل أبي عقيل ، وعذب ثم مات ، وقيل إنه أطلق سراحه ثم قتل، وقيل بل قتل بدسائس من أتباع داهر وهكذا انتهت حياة هذا البطل وهذا الفاتح الكبير هذه النهاية الأليمة، وحرمت الأمة الإسلامية من هذه العبقرية الشابة ،البلاذري : فتوح البلدان ،ص 540 ، وتاريخ خليفة بن خياط ، ص 304 .
[2])) البلاذري : فتوح البلدان ، ص436 -540 ، و عبد الشافي : العالم الإسلامي في العصر الأموي ، ص 307 -313 ،  و الصلابي: الدولة الأموية ( 2/57).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى