لا شك أن شهر رمضان المبارك يتميز عن شهور بقية العام ببعض الفضائل من الناحية الدينية والروحية، وذلك لكونه شهر الصيام والقيام والقرآن، وهو شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران، فيتقرب فيه المسلمون إلى ربهم بعد عام من اللهو والانشغال والبعد عن بعض العبادات التي ربما يتكاسل عنها كثير من المسلمين طوال العام، كالصيام وقراءة القرآن وقيام الليل، وقد خصه الله تعالى بليلة القدر المباركة.
لكنه ووللأسف الشديد صار في السنوات الأخيرة من أهم الشهور من الناحية الترفيهية، وهذا بالنسبة لشركات الإنتاج الفني وأكثر القنوات الفضائية التي تتسابق على كسب أكبر فئة من المشاهدين بهدف التربح المادي، وهي تقدم من أجل ذلك بعض الأعمال الهابطة؛ ويتجاهلون من أجل ذلك حرمة شهر رمضان المبارك، مما يؤثر على كثير من طبقات المجتمع، لاسيما النساء والشباب، علمًا بأن نسبة الشباب تقرب من 60% من تعداد السكان، وهي نسبة كبيرة مهددة بالضياع في ظل اتجاه الدراما إلى العنف والتمييز، واستخدام الألفاظ الخارجة، والإباحية والمشاهد المسيئة، بل وتدعو الدراما إلى طمس الهوية، وإلى إسقاط الرموز والشخصيات الإسلامية، وقد رأينا مؤخرًا كيف لعبت الدراما دورًا خبيثًا من أجل تشويه صورة الصحابي الجليل؛ معاوية بن أبي سفيان، في مسلسل ” معاوية”، وكذلك مسلسل “الإمام الشافعي”، وهو المسلسل الذي أساء إلى العلم الحبر، الإمام الشافعي رحمه الله تعالى.
فهم يزعمون أن الدراما الرمضانية تحتوي على جزء ديني بمناسبة شهر رمضان، والحقيقة أن يدسون السم في العسل، ويعملون على تزوير حقائق التاريخ، والطعن في بعض أعلام الأمة الإسلامية.
ولذا فإن مخاطر الدراما تفوق مخاطر المخدرات، حيث أنها تؤدي إلى زيادة نسبة العنف وتعدد أشكال الجريمة وارتفاع نسب الطلاق، وزيادة معدلات الخيانة الزوجية، وغير ذلك من السلبيات.
ولذا فأنا أنصح عامة المسلمين أن يعتزلوا مشاهدة الأعمال الدرامية من المسلسلات وغيرها خلال شهر رمضان المبارك، وأن يحددوا أهدافهم وأن يسعوا إلى تحقيقها خلال شهر رمضان.
الهدف الأول: “تحصيل التقوى”: فهي الغاية الكبرى والهدف الأسمى مِن مشروعية الصوم، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183)، والتقوى هي: “أن تعمل بطاعة الله على نورٍ مِن الله، ترجو ثواب الله، وأن تجتنب معصية الله على نورٍ مِن الله تخاف عقاب الله”. وقيل هي: “الخوف مِن الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل”.
الهدف الثاني: “الفوز بالمغفرة”: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (متفق عليه)، وقال: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (متفق عليه)، وقال أيضًا: (مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (متفق عليه).
الهدف الثالث: “الفوز بالعتق مِن النيران”: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ) (رواه الترمذي والنسائي، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ لِلَّهِ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقَاءَ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ) (رواه أحمد وابن ماجه، وقال الألباني: حسن صحيح).
الهدف الرابع: “التخلص مِن الأقوال والأفعال والعادات السيئة”: عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في دعائه: (اللَّهُمَّ اهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاقِ، فَإِنَّهُ لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلا أَنْتَ) (رواه مسلم).
وفي الحديث: (إنّما العِلْمُ بالتّعَلُّمِ وإنّما الحِلْمُ بالتّحَلُّمِ ومَنْ يَتَحَرَّ الخَيْرَ يُعْطَهُ ومنْ يَتَّقِ الشّرَّ يُوَقَّهُ) (رواه الدارقطني في الأفراد، وحسنه الألباني)، وقال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت:69)، إذن التغيير مِن الأمور الممكنة، ولكنه يحتاج إلى مجاهدة النفس على ذلك.
فنستطيع في رمضان أن نتخلص مِن الغيبة، والنميمة، والغش، والكذب، والتدخين، والغضب والانفعال، ومِن كل ما يغضب الله -عز وجل- مِن الأقوال والأفعال والعادات، وقد علَّمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أننا إذا صمنا أن نحافِظ على أخلاقنا، ولا نبادر بالاستجابة لنزغات الشياطين بيننا؛ حتى وإن بدرت مِن الآخرين نحونا إساءة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ) (متفق عليه)، وقال: (إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
وأخيرًا: فنحن على عتبات السباق فأروا الله مِن أنفسكم خيرًا، فإن الشقي مَن حرم في رمضان رحمة الله ومغفرته.