مقالات تاريخية
موقع تاريخ المسلمين ينشر مقدمة كتاب: الأندلس في ثمانية قرون
مقدمة كتاب: الأندلس في ثمانية قرون

أصدر الدكتور/ زين العابدين كامل؛ أستاذ التاريخ الإسلامي، وعضو اتحاد المؤرخين العرب بالقاهرة، والمشرف العام على موقع تاريخ المسلمين، إصدارًا جديدًا برعاية دار إشراقة للنشر والتوزيع، بعنوان – الأندلس في ثمانية قرون – وينفرد موقع تاريخ المسلمين بنشر مقدمة الكت
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،
فإن دراسة تاريخ المسلمين أصبحت ضرورة ثقافية وحضارية، حيث إن التاريخ هو المنتج الحضاري، والرصيد الثقافي للأمم والدول، لا سيما مع كثرة المُشككين والطاعنين في حضارتنا وتراثنا، ولقد عانى التاريخُ الإسلامي مِن حملاتِ التشويهِ والتحريف، حتى أصبحَ التاريخُ الإسلاميُّ غَرَضًا ومرمًى لسهامِ أعداءِ الإسلام، وقد تضافرَتْ عواملُ شتَّى لطمسِ تاريخِ أمتنا المُشرِق، هذا مع ما نعانيه مِن قصورٍ شديدٍ في معرفةِ الصحيحِ مِن تاريخِ الأمة وفهمِه.
والواجبُ علينا -الباحثين- أن نقوم بدور التحليل والتنقيح، وأن نعكف على تاريخ أمتنا بعزيمةٍ صادقة، وبصيرةٍ نافذة، فلا شك أننا بحاجةٍ إلى الرجوعِ إلى تراثنا وحضارتنا، لا سيما وقد غطَّى غُبارُ الزمنِ كثيرًا مِن تاريخِ أمتنا.
وفي هذا الكتاب – الأندلس في ثمانية قرون – نتحدث عن حقبة تاريخية عظيمة من تاريخ المسلمين، نسلطُ من خلالها الضوء على الفردوس المفقود، وزهرة التاريخ.
نتحدث عن ثمانية قرون، دار فيها التاريخ دورته، كثرت خلالها التجارب، وتنوعت فيها الأحداث، وشيد المسلمون فيها مجدًا خالدًا وحضارة مشرقة.
وسنتعرض خلال عرضنا لتاريخ الأندلس لأهم المحطات الرئيسية، والأطوار والعصور المهمة، حيث سيكون عرضنا وسطيًا، ليس بالطويل الممل، ولا بالقصير المخل، فهذه الدراسة تلخيص وإيجاز واختصار لتاريخ الأندلس.
وسيجد القارىء الكريم بُغيته وضالته في هذا الكتاب، سواء أكان من المتخصصين أو من المهتمين بقراءة بالتاريخ، حيث يُحقق هذا الكتاب هدفًا يرومه كثيرون، وهو الوقوف على أهم معالم التاريخ الأندلسي، بلا إطناب ولا إسهاب.
ومن أهم الموضوعات التي سلطنا عليها الضوء خلال بحثنا ما يلي:
-
قصة الفتح الإسلامي المبارك لبلاد الأندلس.
-
الحالة السياسية والحضارية في الأندلس خلال العصور والأطوار المختلفة، قبل الفتح الإسلامي وبعده.
-
الحقب التاريخية المختلفة: عصر الولاة، عصر الإمارة الأموية، عصر الخلافة الأموية، عصر ملوك الطوائف، دولة المرابطين، دولة الموحدين.
-
ترجمة مختصرة لبعض الشخصيات الإسلامية التي أسهمت في عملية الفتوحات و صناعة المجد والحضارة، من المجاهدين والعلماء والحكام والمصلحين.
-
ترجمة تاريخية لبعض مدن الأندلس ( قرطبة، إشبيلية، طليطلة، غرناطة).
-
رسالة الإسلام الخالدة، وكيف دخل الناس في دين الإسلام طواعية واختيارًا، لا كرهًا وإجبارًا.
-
حضارة المسلمين في الأندلس، وازدهارها في جميع الفنون والعلوم المختلفة.
-
سقوط مملكة غرناطة، وأسباب غروب شمس الإسلام في بلاد الأندلس.
-
محنة المسلمين ومحاكم التفتيش.
وقد اتبعت خلال عملي في هذه الدراسة منهجًا علميًا يقوم على السرد والتحليل، وعزو المعلومات إلى مصادرها ومراجعها الأصلية.
وأود في هذا الصدد أن أشير إلى مسألة مهمة، وهي هدف المسلمين من الفتوحات، حيث لم يكن هدف المسلمين من الفتوحات والتوغل في البلاد، أن يقوموا بسياسة توسعية تهدف إلى توسيع رقعة دولتهم، أو البحث عن الثروات، أو استعباد الشعوب، كما هو حال الأمم والدول من غير المسلمين.
فلم يكن العرب المسلمون من طراز أولئك الغزاة المحتلين الذين إذا دخلوا قرية أفسدوها وعدُّوها بقرة حلوبًا، أو ناقة ركوبًا، يحلبون ضرعها، ويركبون ظهرها، ثم يأكلون لحمها.
بل إن مسيرة حركة الفتوحات في عصر الخلفاء الراشدين، ثم في عصر الدولة الأموية وما تلاها، كانت تمثِّل أكبر حركة هداية للناس في التاريخ، وأكبر حركة إخراج للناس من الظلمات إلى النور؛ فليستْ دوافع الأمة نحو الجهاد دوافعَ اقتصادية أو سياسية، بل هي لنشر دين الله تعالى، وتعبيد العباد لرب العباد جلَّ وعلا، فمَن حالَ بين المسلمين وبين الدعوة إلى الله ليمنع نورَ الإسلام والحق أن يصل للناس، قاتلوه.
ولذلك عندما أتم المسلمون فتح بلاد العراق والشام ومصر، بحثوا عن الدول المجاورة، ليستكملوا حركة الهداية ونشر الإسلام، كما قال تعالى {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة:123]، ومعنى: {الَّذِينَ يَلُونَكُمْ} أي: البلاد المجاورة لكم، ومن ثم بدؤوا بفتح الأقرب فالأقرب.
فكان التوغل بعد ذلك في بلاد المغرب، وبلاد ما وراء النهر، وبلاد الأندلس.
ثم إننا نؤكد أنه لا تعارض بين الجهاد وبين حرية الاعتقاد، فلم يثبت قط في التاريخ الإسلامي أن أكرهَ المسلمون أحدًا على أن يدخل في الإسلام مُرغمًا.
هذا، وقد مرت الأندلس منذ فتحها عام ( 92 هـ/ 711 م)، وحتى سقوط غَرناطة عام (897 هـ/ 1492 م)، بعدة عصور ومراحل، على النحو التالي:
أولًا: مرحلة الفتح الإسلامي: وقد استمرت ما يقارب أربع سنوات، ( 92-95 هـ/ 711-714 م).
ثانيًا: عصر الولاة: (95- 138 هـ/ 714-755 م)، وعصر الولاة هو أن يتولى حكمَ الأندلس أحدُ الولاة التابعين للخليفة الأموي في دمشق، ويبدأ هذا العهد بولاية عبد العزيز بن موسى بن نصير، وهذا العهد استمر حتى دخول عبد الرحمن الداخل بلاد الأندلس وإقامة الدولة الأموية، وكانت مدة هذا العهد نحو اثنتين وأربعين سنة، وتولى حكمَ الأندلس فيه عشرون واليًا.
ثالثًا: عصر الإمارة الأموية: (138- 316 هـ/ 755- 929 م)، وقد استمر هذا العهد منذ دخول عبد الرحمن الداخل حتى إعلان عبد الرحمن الناصر -عبد الرحمن الثالث- الخلافةَ عام 316هـ، وكانت الأندلس خلال تلك المدة إمارة أموية مستقلة عن الخلافة العباسية، واستمرت مائة وثمان وسبعين سنة.
رابعًا: عصر الخلافة الأموية: ( 316 – 422 هـ/ 929- 1031 م)، وقد بدأ هذا العهد بإعلان الناصر الخلافة حتى وفاة الحكم المستنصر عام 366 هـ، أو حتى نهاية القرن الرابع كما سنوضح، وقد تخلل هذا العهدَ عصرُ الدولة العامرية.
خامسًا: عصر ملوك الطوائف: (422 – 479 هـ/ 1031- 1086 م)، وهذا العهد سبقته حالة من الفوضى، وقد استمر عصر ملوك الطوائف حتى دخول المرابطين بلاد الأندلسَ، حيث انقسمت البلاد في عصر ملوك الطوائف إلى اثنتين وعشرين دويلة متناحرة، فقويت شوكة النصارى وسيطروا على بعض المدن، مما استدعى دخول المرابطين الأندلسَ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
سادسًا: عصر المرابطين: (484-541 هـ/ 1086- 1146 م)، فبعد تقسم الأندلس في عصر ملوك الطوائف وتفكك قوة الدولة، وضعف وحدة المسلمين، استطاع النصارى الإسبان أن يسيطروا على بعض المدن الأندلسية، فاستغاث بعض ملوك الطوائف وعلى رأسهم المعتمد بن عبَّاد أمير مدينة إشبيلية بيوسف بن تاشفين أمير دولة المرابطين بالمغرب، فتحرك المرابطون نحو الأندلس دفاعًا عن ديار المسلمين، ثم دخلت الأندلس تحت لواء المرابطين.
سابعًا: عصر الموحدين: (541- 642 هـ/ 1146- 1244 م)، فبعد أن ضعفت دولة المرابطين في آخر عهدها، سيطر الموحدون بقيادة محمد بن تومرت على الأوضاع، وحكموا معظم مدن الأندلس.
ثامنًا: مملكة غَرْنَاطَة وسقوط الأندلس: (635- 897 هـ/ 1237- 1492 م)،
فبعد أن ضعفت سيطرة الموحدين على الأندلس، سقطت مدن الأندلس كلها بأيدي الإسبان الواحدة تلو الأخرى، ولم يبق للمسلمين سوى مدينة غَرْنَاطَة، وقد استمرت نحو مائتين وخمسين سنة، ولكنها سقطت في نهاية المطاف، وبسقوطها غربت شمس الإسلام ببلاد الأندلس.
تنويه: تواريخ بداية كل عهد من العهود السالفة الذكر ونهايته مختلف فيها بين بعض المؤرخين والباحثين.
هذا، وقد أفردنا فصلًا مستقلًا لكل حقبة تاريخية مما ذكرنا، هذا بخلاف فصل عن حضارة المسلمين في الأندلس، وفصل آخر عن أسباب سقوط دولة الإسلام في بلاد الأندلس، فاكتملت بذلك عشرة فصول حول موضوع دراستنا.
الفقير إلى عفو مولاه
زين العابدين كامل
مصر – الإسكندرية
27 صفر عام 1446هـ
1 سبتمبر عام 2024م