مقالات متنوعة

الأهداف الأربعة في سباق شهر رمضان

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فلقد بدأ السباق بعد فترةٍ مِن التمهيد والاستعداد على مدار شهري: “رجب، وشعبان”، مليار ونصف مِن المسلمين يتسابقون الآن، ويتنافسون فيما بينهم، الكل يتمنى أن يَحظى بالفوز في هذا السباق، الكل يتمنى أن يحقق الأهداف المنشودة والمرجوة في شهر رمضان، علمًا بأن السباق سريع جدًّا، فهو عبارة عن أيامٍ معدوداتٍ.

وهذه الأهداف التي يتسابق عليها المسلمون تتلخص في أربعة أهداف:

الهدف الأول: “تحصيل التقوى”: فهي الغاية الكبرى والهدف الأسمى مِن مشروعية الصوم، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183)، والتقوى هي: “أن تعمل بطاعة الله على نورٍ مِن الله، ترجو ثواب الله، وأن تجتنب معصية الله على نورٍ مِن الله تخاف عقاب الله”. وقيل هي: “الخوف مِن الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل”.

فلا بد مِن تحقيق هذه الغاية والوصول إلى أعلى مقامات التقوى بالوسائل المشروعة مِن الالتزام بآداب الصوم، وتجنب كل ما يعرضه للفساد، والإكثار مِن العمل الصالح.

الهدف الثاني: “الفوز بالمغفرة”: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (متفق عليه)، وقال: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (متفق عليه)، وقال أيضًا: (مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (متفق عليه)

وهكذا تعددت أسباب المغفرة في رمضان؛ فقد ينالها العبد بالصيام، أو القيام مع إخلاص النية وحسن الظن بالله -تعالى-.

قيل لذي النون: “متى يعلم العبد أنه مِن المخلصين؟! قال: إذا بذل المجهود في الطاعة، وأحب سقوط المنزلة عند الناس”.

فعلينا أن نجتهد في القيام؛ لا سيما في العشر الأواخر، فنتحرى ليلة القدر، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ) (رواه النسائي، وصححه الألباني)، ولا بد أن نحافظ على الصيام مِن اللغو والرفث؛ لنحقق الهدف الثاني بمشيئة الله -تعالى-.

الهدف الثالث: “الفوز بالعتق مِن النيران”: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ) (رواه الترمذي والنسائي، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ لِلَّهِ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقَاءَ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ) (رواه أحمد وابن ماجه، وقال الألباني: حسن صحيح).

وقد تعددت أسباب العتق مِن النيران، فمنها: التوحيد الخالص، والمحافظة على الصلاة في جماعة مدة أربعين يومًا بشرط إدراك تكبيرة الإحرام.

ومنها: المحافظة على صلاتي العصر والفجر في الجماعة.

ومنها: المحافظة على أربع ركعات قبْل الظهر، وعلى أربع ركعات بعدها.

ومنها: رد الغيبة عن أخيك المسلم.

ومنها: حضور مجالس العلم والذكر.

ومنها: المحافظة على بعض الأذكار المخصوصة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا صَلَّيْتَ الصُّبْحَ، فَقُلْ قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ: اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَإِنَّكَ إِنْ مِتَّ مِنْ يَوْمِكَ ذَلِكَ كَتَبَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لَكَ جِوَارًا مِنَ النَّارِ، وَإِذَا صَلَّيْتَ الْمَغْرِبَ فَقُلْ قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ: اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، اللَّهُمَّ أجرني مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَإِنَّكَ إِنْ مِتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ تِلْكَ كَتَبَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لَكَ جِوَارًا مِنَ النَّارِ) (رواه أحمد، وحسنه الحافظ ابن حجر).

ومَنْ قال حين يصبح أو يمسي: “اللهم أني أصبحتُ أشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك، أنك أنت الله لا إله إلا أنتَ، وأن محمدًا عبدك ورسولك، أعتق الله ربعه مِن النار، ومَن قالها مرتين أعتق الله نصفه مِن النار، ومَن قالها ثلاث مرات أعتق الله ثلاثة أرباعه، ومَن قالها أربع مراتٍ أعتقه الله مِن النار في ذلك اليوم” (أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وضعفه الألباني).

وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَنْ كَانَ هَيِّنًا لَيِّنًا قَرِيبًا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ) (رواه الحاكم، وقال الألباني: صحيح لغيره).

قال المناوي -رحمه الله-: “ومِن ثَمَّ كان المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في غاية اللين، فكان إذا ذكر أصحابه الدنيا ذكرها معهم، وإذا ذكروا الآخرة ذكرها معهم، وإذا ذكروا الطعام ذكره معهم” اهـ.

لذا لا بد أن نتساهل ونتسامح، ونلين في المعاملة مع غيرنا؛ فهذه جملة أعمال تحقق لنا الهدف الثالث في السباق، وننجو مِن النار -بفضل الله تعالى-، قال الله -تعالى-: (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ) (آل عمران:185).

الهدف الرابع: “التخلص مِن الأقوال والأفعال والعادات السيئة”: عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في دعائه: (اللَّهُمَّ اهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاقِ، فَإِنَّهُ لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلا أَنْتَ) (رواه مسلم).

وفي الحديث: (إنّما العِلْمُ بالتّعَلُّمِ وإنّما الحِلْمُ بالتّحَلُّمِ ومَنْ يَتَحَرَّ الخَيْرَ يُعْطَهُ ومنْ يَتَّقِ الشّرَّ يُوَقَّهُ) (رواه الدارقطني في الأفراد، وحسنه الألباني)، وقال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت:69)، إذن التغيير مِن الأمور الممكنة، ولكنه يحتاج إلى مجاهدة النفس على ذلك.

فنستطيع في رمضان أن نتخلص مِن الغيبة، والنميمة، والغش، والكذب، والتدخين، والغضب والانفعال، ومِن كل ما يغضب الله -عز وجل- مِن الأقوال والأفعال والعادات، وقد علَّمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أننا إذا صمنا أن نحافِظ على أخلاقنا، ولا نبادر بالاستجابة لنزغات الشياطين بيننا؛ حتى وإن بدرت مِن الآخرين نحونا إساءة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ) (متفق عليه)، وقال: (إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

وأخيرًا: نذكِّر أنفسنا بأن السباق بدأ؛ فأروا الله -تعالى- مِن أنفسكم خيرًا، فإن الشقي مَن حرم في رمضان رحمة الله ومغفرته.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى