شهر رمضان والصحة النفسية
شهر رمضان والصحة النفسية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،
فما أكثر ما يتعرض له الناس في هذه الحقبة الزمنية، من ضغوط نفسية متنوعة، إما بسبب الظروف الاقتصادية الطاحنة، أو الأحوال السياسية المضطربة، أو الظواهر المجتمعية، أو المشاكل العائلية والأسرية، ولذا كثرت الأمراض النفسية بين الناس، لاسيما مرض الاكتئاب بكافة أنواعه المختلفة، وازداد تردد المرضى على الأطباء المتخصصين في مجال الطب النفسي.
وكثيرًا ما يقوم الأطباء بتوصيات للمرضى بضرورة إحداث تغيير في شكل وصورة ونمط الحياة، أو ضرورة السفر في رحلة تهدأ بها النفس، فينصح بعض الأطباء بصفة عامة بضرورة العيش لفترة معينة في جو لا تخالطه ضغوط، وذلك لتسترد النفس صحتها وعافيتها.
ومن ثم أصبح من ضروريات الحياة الآن، الحفاظ على الصحة النفسية.
ويأتي شهر رمضان المبارك، بعد عام كامل من الضغوط، ومن الاضطراب، ومن التوتر، ومن الغفلة، ومن البعد عن الله تعالى، حتى تستعيد الروح عافيتها، وتهدأ النفس، ويسكن القلب.
ففي شهر رمضان تسمو الروح وتزداد قربًا من خالقها سبحانه وتعالى، فشهر رمضان بمثابة رحلة روحية سامية، تزكو بها النفوس، وذلك بإقبالها على الله بأنواع الطاعات المختلفة.
فيقبل المسلم على القرآن، فيقرأ ويتدبر كلام الله تعالى، فتسمو نفسه، ويسكن قلبه، ويشعر بحالة من السكينة والطمأنينة، كما قال تعالى في سورة الأنفال { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}.
وكذلك يحافظ المسلم على صيام شهر رمضان، والصيام هو سر الإخلاص وعلامته، فلا يعلم أحد من الخلق هل أنت صائم أم لا، حيث لو أراد المسلم الفطر سرًا لفعل، ولكن هنا يأتي معنى المراقبة، فيعيش المسلم حالة عجيبة وهو يمتنع عن الشراب والطعام وذلك مع شدة عطشه وجوعه، ولذا كان الصيام من أجل الأعمال وأزكاها وأفضلها، وهذا في قوله تعالى في الحديث القدسي،” إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به”.
وكذلك يحافظ المسلم على أداء الصلوات في بيت الله تعالى، ويحافظ على صلاة التراويح والتهجد بالليل، فيزاد بذلك رفعة عند الله، ويقترب قلبه، وتقترب روحه من خالقها، وينال الذكر والشرف والقرب، كما قال تعالى { وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ }، و كما في الحديث عن سهل بن سعد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” أتاني جبريل فقال: يا محمد عشْ ما شئتَ فإنكَ ميتٌ، وأحببْ منْ شئتَ فإنكَ مفارقُهُ، واعملْ ما شئتَ فإنكَ مجزيٌّ بهِ، واعلمْ أنْ شرفَ المؤمنِ قيامُهُ بالليلِ، وعزَّهُ استغناؤهُ عنِ الناسِ ” ( رواه الحاكم والبيهقي وحسنه المنذري والألباني).
وكذلك يحافظ المسلمون على إخراج الصدقات والزكوات وإطعام الصائمين.
وكذلك يبتعد كثير منهم عن أنواع المحرمات والمكروهات. فعلينا أن نغتنم شهر رمضان المبارك في طاعة الله تعالى، حتى تطيب النفس، فإذا طابت النفس وزكت، أصبحت أهلاً للملكوت الأعلى، أصبحت أهلًا، لأن يُعرج بها إلى السماء وأن تبتعد عن العالم السفلي.
فشهر رمضان هو مدرسة ربانية تتوفر فيها كل مقومات القرب والتزكية، وهو رحلة روحية تسمو بها النفس…..