مقالات تاريخية

محمد بن القاسم الثقفي يقود حركة فتوحات السند

محمد بن القاسم الثقفي يقود حركة فتوحات السند

بقلم/ د. زين العابدين كامل

محمد بن القاسم الثقفي يقود حركة فتوحات السند عام 89 – 96هـ:

لم يكن محمد بن القاسم قد تجاوز العشرين عاًمًا عندما اختاره الحجاج لتلك المهمة العظيمة، ولكن قد ظهر منه شجاعة وفطنة جعلته من أقوى المرشحين لتلك المهمة، وبالفعل وقع اختيار الحجاج عليه، وأصبح من كبار القادة والفاتحين ، وقد احتفل الحجاج بحملة محمد بن القاسم احتفالًا كبيرًا، وأعد لها من العتاد والسلاح ما يكفل نجاحها، ولقد أمد الحجاج محمد بن القاسم بأعداد كبيرة من الجند، وكذا جميع ما يحتاجونه في جهادهم وحصارهم  من طعام وغيره، بل حتى قام الحجاج بتوفير الخلِّ لهم  لأنه قليل بالسند، وبعد أن اكتمل تجهيز الجيش ، تحرك محمد بن القاسم إلى مكران التي كانت نقطة الإنطلاق ،وقد قسم محمد جيشه إلى قسمين ،قسم بحري وآخر بري، ومضى محمد إلى مكران فأقام بها أياماً, ثُمَّ أتى قنزبور ([1]) ففتحها ثُمَّ أتي أرمائيل ([2]) ففتحها ، ثم قدم الديبل يوم جمعة, فوافته هناك سفنه التي كانت تحمل الرجال والسِّلاح والعتاد والمهمات, فخندق حيث نزل الديبل، وأنزل الناس منازلهم ونصب منجنيقاً يقال له: العروس, الذي كان يعمل لتشغيله خمسمائة من الرجال ذوي الكفاية المدربين على استخدامه, فدكّ بقذائفه معبد الهنادكة الأكبر (بد) ([3]), وحاصر محمد الديبل حصارًا شديدًا، وقاتل حماتها بشدّة, فخرجوا إليه, ولكنه هزمهم حتى ردهم , ثم أمر بالسلالم فنصبت وصعد عليها الرجال, وكان أولهم صعوداً رجل من بني مراد من أهل الكوفة، ودار القتال ثلاثة أيام، ولكن الله تعالى نصر المسلمين وفتحت المدينة عنوة, ولكنّ عامل داهر ملك السند عليها قد هرب, فأنزل فيها محمد بن القاسم أربعة الآف من المسلمين وبنى عليها جامعها, فكان أول جامع بني في هذه المنطقة, وبطبيعة الحال كان لهذا النصر أثره الحسن على المسلمين ، ثم هرع أهل السند إلى محمد يطلبون الصلح، وسار محمد بعد ذلك  إلى البيرون([4]), وكان أهلها بعثوا إلى الحجّاج فصالحوه, فلقوا محمداً بالميرة وأدخلوه مدينتهم ووفوا بالصلح , ثم أخذ محمد يتقدم في البلاد وكان لايمر بمدينة إلاَّ فتحها حتى عبر نهر “مهران” ([5])  فأتاه أهل سربيدس ([6]) , وصالحوه ففرض عليهم الخراج وفتح كذلك سهبان ([7]).

 ثم أرسل محمد بن القاسم مُحَمَّد بْن مصعب بْن عَبْد الرَّحْمَنِ الثقفي إِلَى سدوسان، فطلب أهلها الأمان والصلح, فأمنهم محمد وفرض عليهم الخراج أيضا ، ولكن كل هذه الإنتصارات العظيمة والفتوحات الجسيمة، إلا أن المعركة الفاصلة لم تأت بعدج، فهي معركة ستكون مع داهر ملك السند، ولذا يلاحظ أن ملك السند قد انسحب من أمام محمد بن القاسم، ليختار هو المكان والزمان لخوض المعركة، ولكن كان محمد بن القاسم يقظًا لهذا التكتيك والتخطيط ،لذا قرر أن يعبر نهر مهران ليبدأ المعركة قبل أن يستكمل داهر إستعداده للمعركة، وأقام محمد جسرًا على النهر ، وتم العبور ، وبدأت المعركة على الفور ،  وها هو داهر في أرض المعركة يركب عَلَى فيل وحوله الفيلة، واقتتل الفريقان قتالًا شديدًا لم يسمع بمثله، ثم ترجل داهر وقاتل فقُتل عند المساء، وانهزم المشركون فقتلهم المسلمون كيف شاءوا وكان الَّذِي قتله في رواية المدائني رجلا من بني كلاب وقال:

الخيل تشهد يوم داهر والقنا …

              وَمُحَمَّد بْن الْقَاسِم بْن مُحَمَّد

أني فرجت الجمع غير معرد …

             حَتَّى علوت عظيمهم بمهند

فتركته تحت العجاج مجدلا …

                  متعفر الخدين غير موسد

وبعد ذلك الإنتصار العظيم ومقتل داهر ملك السند ،استكمل ابن القاسم بقية فتح أقاليم السند ، ففتح راوَر ([8]) عنوة، وكان بها امرأة داهر ، فخشيت أن تقع أسيرة فحرقت نفسها وجواريها وجميع مالها ، ثُمَّ أتى محمد بن القاسم بزهمناباذ ([9]) ففتحها، ثم سار إلى الرور ([10]) وبغرور فتلقاه أهل ساوندرى فسألوه الأمان فأعطاهم إياه واشترط عليهم ضيافة المسلمين، فأسلم أهلها من بعد ذلك، ثم اجتاز نهر بياس إلى الملتان وهي من أعظم مدن السند، وتقدم نحو بسمد ،على مثل صلح ساوندري وسار محمد إلى السكة فتحها، وهي مدينة دون يباس، وعند مدينة الملتان التي هي  أعظم مدن السند الأعلى وأقوى حصونه، امتنعت عليه شهوراً وقاتله أهلها، فانهزموا فحصرهم ،فقتل محمد المقاتلة وسبى الذرية وسبى سدنة (البد) وهم ستة آلاف، وأصاب مالاً كثيراً  حيث كان (بد) الملتان (بداً) تهدى إليه الأموال وتنذر له النذور ويحجّ إليه السند فيطوفون به ويحلقون رؤوسهم ولحاهم عنده ويزعمون أنه صنماً فيه هو أيوب النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعد أن استولى على الملتان جاءه نبأ موت الحجاج فاغتم لذلك وعاد إلى الرور مرة أخرى ، ثم وجه جيشه إلى البيلمان فأعطوه الطاعة دون قتال ،ثم سالمه أهل سرست و بعدها خرج إلى الكيرج فخرج إليه القدئد دوهر وحدث قتال وهزم جيش دوهر ثم قتل دوهر ، ونزل أهل المدينة عَلَى حكم مُحَمَّد فقتل وسبى قَالَ الشاعر:

نحن قتلنا داهرا ودوهرا ……. والخيل تردي منسرا فمنسرا

 وهكذا أصبح وادي السند بأسره في قبضة المسلمين ،وجاء الناس من كل ناحية فرحين بذلك النصر ، بعد أن حررهم الإسلام من استبداد الهندوس ، و بينما محمد بن القاسم يدبر أمر السند وينظم أحواله بعد الفتح ويستعد لفتح إمارة قنوج وهي أعظم الإمارات في شمال الهند توفي الخليفة الوليد بن عبد الملك سنة 96هـ  وتولى أخوه سليمان ( 96 – 99 هـ) الذي بدأ يغير ولاة الحجّاج.

وللحديث بقية بمشيئة الله تعالى.

[1])) مدينة بين مكران والديبل.

[2])) أرمائيل: مدينة كبيرة بين مكران والديبل من أرض السند.

[3])) البد: هو المعبد, وقيل هو صنم كبير له شأن عندهم ، وكل شيء عظموه من طريق العبادة فهو عندهم (بد).

[4])) مدينة تقع على مسافة 75 ميلاً عن مكران.

[5])) هو نهر عظيم بقدر دجلة تجري فيه السفن ويسقي بلادًا كثيرة وسيصب في البحر عند الديبل ، الحموي: معجم البلدان (5/232).

[6])) سربيدس: مدينة بالقرب من مهران على نهر السند.

[7])) سهبان: مدينة في منطقه سربيس على نهر السند.

[8])) راور: مدينة كبيرة بالسند  الحموي : معجم البلدان (4/ 214).

[9])) برهمنآباد: مدينة تقع على نهر السند بين كراجي والبنجاب.

[10])) وهي من كبرى مدائن السند .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى