مقالات تاريخية

غزة في ذاكرة التاريخ (3)

الفتح الإسلامي لمدينة غزة (1)

بقلم/ د. زين العابدين كامل

الفتح الإسلامي لمدينة غزة (1)

لقد احتل الرومان بلاد مصر والشام عام 30 ق.م، وكانت عاصمتهم روما ، ثم أنطاكيا، ثم بيزنطة، وهي القسطنيطنية، وكانوا مجوسًا وثنيين يعبدون الكواكب والأصنام، ثم اعتنقوا الديانة النصرانية عام 381م.

وكانت الفوضى قد حلت بتلك الديار بسبب الصراعات السياسية، وانتشر الظلم والجور، وساءت الأخلاق، وانتشرت كذلك الشركيات وأنواع الكفر المختلفة، وكان العالم آنذاك في أشد الحاجة لمصلح عظيم ومنقذ حكيم.  وفي الحديث الصحيح “وإِنَّ اللهَ نظر إلى أهْلِ الْأَرْضِ، فمقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وعَجَمَهُمْ، إِلَّا بقَايَا من أهْلِ الْكِتَابِ”. (أي: أَبغضَهم أشدَّ البغضِ، عرَبَهم وعجَمَهم، والمرادُ بهذا المقْتِ والنَّظرِ ما قبْلَ بَعثِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولذلك قال: “إلَّا بَقايا مِن أهلِ الكتابِ” وهمُ الَّذينَ لم يَزالوا مُتمسِّكِينَ بِالحقِّ ولم يُبدِّلوا دِينَهم”).

فبعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم لينقذ البشرية ولكي ينقلها من الظلام الدامس إلى النور المشرق.

وفي أواخر السنة السادسة من الهجرة حين رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الحديبية كتب إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام، فكتب إلى النجاشي ملك الحبشة، والمقوقس ملك مصر، وكسرى ملك فارس، وقيصر ملك الروم، والْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى حاكم البحرين، وهَوْذَة بْنِ عَلِيٍّ صَاحِبِ الْيَمَامَةِ، والْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ الغساني صاحب دمشق، وجَيْفَر ملك عُمان.

ثم كانت معركة مؤتة في العام الثامن الهجري والتي وقعت في جنوب الأردن.

ثم كانت غزوة “تبوك” في العام التاسع الهجري بعد أن انتصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على مشركي مكة وطهرها من الرجس والأوثان؛ فتحرك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ثلاثين ألف مقاتل نحو الشمال للقاء الرومان في تبوك.

 ثم بعد عودة النبي -صلى الله عليه وسلم- من حجة الوداع  جهَّز جيشًا لغزو الروم بفلسطين، بقيادة أسامة بن زيد -رضي الله عنه-، وكان ذلك في صفر العام الحادي عشر. وَأَمَرَهُ أَنْ يُوطِئَ الْخَيْلَ تُخُومَ الْبَلْقَاءِ وَالدَّارُومِ مِنْ أَرْضِ فِلَسْطِينَ، – وَيَقُولُ يَاقُوتُ الحمَوي: وَالدَّارُومُ: قَلْعَةٌ بَعْدَ غَزَّةَ لِلْقَاصِدِ إلَى مِصْرَ، – وقيل هي مَا يُعْرَفُ الْيَوْمَ بِدَيْرِ الْبَلَحِ، بقطاع غزة.

 وبعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتولي الصديق – رضي الله عنه – أمر الخلافة، أرسل جيش أسامة إلى البلقاء والداروم من أرض فلسطين.

 ثم في العام الثاني عشر بعد أن فرغ الصديق من حروب الردة، أرسل عدة ألوية إلى بلاد الشام، فأرسل جيشًا بقيادة يزيد بن أبي سفيان، متوجهًا إلى دمشق، والجيش الثاني بقيادة شرحبيل بن حسنة، وهدفه بُصْرَى عاصمة حَوْرَانَ، أو حُوران، والجيش الثالث بقيادة أبي عبيدة بن الجراح، وهدفه حمص، والجيش الرابع بقيادة عمرو بن العاص، وهدفه فلسطين.

ومع تقدم جيوش المسلمين جهز هرقل قوة عسكرية قوامها ثلاثة آلاف مقاتل بقيادة سرجيوس قائد منطقة غزة، ونزلوا بمكان يعرف – بغمر العربات، أو وادي العربة بأرض فلسطين –  فوجه إليهم يزيد بن أبي سفيان أبا أمامة الباهلي على رأس قوة عسكرية ووقع بينهما قتال وانتصر المسلمون وهنا يذكر الطبري ” أن أول حرب كانت بالشام بعد سرية أسامة وقعت بالعربة”.

ثم وقعت معركة شديدة بين المسلمين والروم بقرية داثِن بمدينة غزة، في أواخر عام 12 هـ، ويذهب ياقوت الحموي إلى أن معركة داثن هي المعركة الأولى التي وقعت بين المسلمين والروم، بينما ذهب بعض المؤرخين إلى أن داثن كانت هي الوقعة الثانية.

فعلى أرض غزة في خلافة أبي بكر انتصر المسلمون انتصاراً باهراً، وهزم الروم هزيمة منكرة، ورغم عدم شهرة هذه المعركة إلا إنها كانت هي  البداية لسلسلة انتصارات كبيرة للمسلمين بالشام وفلسطين.

فغزة هي نبض العزة، ورمز الكرامة، وهي مسقط رأس الإمام الشافعي رحمه الله تعالى.

قال الشافعي:

وَإِنِّي لَمُشْتَاقٌ إِلَى أَرْضِ غَزَّةٍ * * * وَإِنْ خَانَنِي بَعْدَ التَّفرُّقِ كِتْمَانِي

سَقَى اللّه أَرْضَاً لَوْ ظَفِرْتُ بِتُرْبِها * * * كَحَلْتُ بِهِ مِنْ شِدَّةِ الشَّوْقِ أَجْفَانِي.

 

وللحديث بقية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى