أُمُّ أَيْمَن أُمِّي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،
فقد روى أصحاب السير والتراجم أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول لأُمِّ أَيْمَنَ: “يَا أُمَّه” وَيَقُوْلُ: “هَذِهِ بَقِيَّةُ أَهْلِ بَيْتِي” وكان يقول ” أُمُّ أَيْمَنَ أُمِّي بَعْدَ أُمِّي”.
وهذه الروايات وإن اشتهرت في كتب السيرة إلا أنها قد جاءت من طرق مرسلة.
ومع ذلك فإننا لا نستبعد ذلك الأسلوب الراقي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان الإحسان وحسن المعاملة وحسن العهد من أخلاقه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
من هي أم أيمن؟
هي بَرَكَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُصَيْنِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ النُّعْمَانِ الْحَبَشِيَّةُ مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاضنته، ورثها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيه ثم أعتقها عِنْدَمَا تَزَوَّجَ بِخَدِيْجَةَ، وقد هاجرت الهجرتين رضي الله عنها.
وَقَدْ تَزَوَّجَهَا عُبَيْدُ بنُ الحَارِثِ الخَزْرَجِيُّ فَوَلَدَتْ لَهُ: أَيْمَنَ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا زَيْدُ بنُ حَارِثَةَ لَيَالِيَ بُعِثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَلَدَتْ لَهُ أُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ حِبُّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقد عرفت أم أيمن النبي صلى الله عليه وسلم طفلاً صغيراً ، ونبياً مرسلاً ، وعاشت مراحل النبوة كلها، بل وشاركت في بعض الغزوات.
وقيل أن أم أيمن كانت مع آمنة بنت وهب أم النبي صلى الله عليه وسلم حين ذهبت إلى المدينة لزيارة بني النجار أخوال جده عبد المطلب ، ولما عادت إلى مكة مرضت آمنة في الطريق ، وتوفيت في الأبواء ، فعادت أم أيمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصبحت حاضنته.
ورُوي أن أم أيمن نَظَرَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يشرب فقالت اسقني، فقالت عائشة: أَتَقُولِينَ هَذَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم؟ ! فَقَالَتْ: مَا خَدَمْتُهُ أَطْوَلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” صَدَقَتْ ” فَجَاءَ بِالْمَاءِ فَسَقَاهَا.
وفي صحيح مسلم وغيره، عن أنس بن مالك قال:قالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ لِعُمَرَ: انْطَلِقْ بنَا إلى أُمِّ أَيْمَنَ نَزُورُهَا، كما كانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يَزُورُهَا، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إلَيْهَا بَكَتْ، فَقالَا لَهَا: ما يُبْكِيكِ؟ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ؟ فَقالَتْ: ما أَبْكِي أَنْ لا أَكُونَ أَعْلَمُ أنَّ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ أَبْكِي أنَّ الوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ مِنَ السَّمَاءِ، فَهَيَّجَتْهُما علَى البُكَاءِ. فَجَعَلَا يَبْكِيَانِ معهَا .
ويتضح من الحديث السابق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم بزيارة أم أيمن رضي الله عنها، ولقد ضرب سيد الأوفياء رسول الله صلى الله عليه وسلم المٌثل العليا في الوفاء مع جميع مَن حوله، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت عجوز إلى النبي عليه الصلاة والسلام وهو عندي، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن أنتِ؟»، قالت: أنا جَثَّامةُ المُزَنيَّةُ ، قال: «بل أنتِ حسّانة المزنية، كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ كيف كنتم بعدها؟» قالت: بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله, فلما خرجت، قلت: يا رسول الله، تُقبل على هذه العجوز هذا الإقبال، قال: «إنها كانت تأتينا زمن خديجة, وإن حسن العهد مِن الإيمان». (أخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين)
فعلينا أن نتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن نكون أوفياء في زمن قل فيه الوفاء؛ والله المستعان.