سليمان الحلبي… رجل الأزهر الذي أنصفه التاريخ وظلمه الأقزام!
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فسليمان الحلبي هو رمز الكفاح، والشرف والتضحية، والعزة والكرامة؛ هو الرجل الذي أنصفه التاريخ وسطَّر قصته بأحرفٍ مِن نور.
هو البطل المجاهد الذي خلَّص المصريين مِن القهر والظلم.
هو الرجل الذي يتقدم كتيبة المجاهدين في عصرنا الحديث.
هو الرجل الذي رفع راية الجهاد ضد المستعمر الفرنسي الغاشم.
هو الرجل الذي صنع المجد والبطولة.
هو الرجل الذي أنصفه الرجال وظلمه الأقزام.
مَن هو سليمان الحلبي؟
وُلد سليمان الحلبي عام 1777م في مدينة حلب، ومِن المعلوم أن الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت تمكَّنت مِن احتلال مصر عام 1798م، وذلك بعد قيام الثورة الفرنسية بعشر سنوات، وقد أذاقت الحملة الفرنسية الشعب المصري أنواعًا مِن العذاب، ما بين القهر والظلم، والذلة والمهانة، وقد كان نابليون قد عهد إلى كليبر بقيادة الحملة، وقد قام كليبر بتدنيس الأزهر الشريف الذي قاد حركة الثورة والمقاومة والجهاد ضد المستعمر الفرنسي، فقام بقتل عددٍ كبيرٍ مِن علماء الأزهر، ودخل الأزهر بجنوده ومدافعه، ولاحق العلماء وقادة حركة المقاومة.
وقدَّر الله -تعالى- أن يظهر الشاب البطل “سليمان الحلبي” الذي كان يدرس في الأزهر، وقد تتلمذ على يد الشيخ “أحمد الشرقاوي” الذي علَّمه وغرس فيه معنى العزة والكرامة، والتضحية والفداء؛ ذلكم الشيخ الذي زرع الحماس في أتباعه وتلاميذه، وجاهد بنفسه أثناء هجوم جيش نابليون على الجيزة والقاهرة، ثم قتله كليبر فيما بعد، وذلك بعد قيام الانتفاضة الأولى للشعب المصري، الذي رفض المذلة والهوان والخنوع والخضوع للمستعمر، وهنا قام المحتلون بقتل ستة مِن شيوخ الأزهر كان مِن بينهم أستاذ سليمان الحلبي الشيخ أحمد الشرقاوي -رحمه الله-، وبالفعل استطاع الفرنسيون إجهاض الثورة المصرية الأولى بعد القبض على شيوخ الأزهر وإعدامهم، فاختفى البعض عن أعين الفرنسيين وهرب البعض، وكان فيمَن هرب سليمان الحلبي الذي خرج متوجهًا إلى الشام بعد أن أقام في القاهرة ثلاث سنوات، ثم حمل سليمان الحلبي على عاتقه مسئولية تخليص المصريين من ظلم الاحتلال، وذلك بالاتفاق والتنسيق مع بعض المخلصين.
وفي صباح يوم 15 يونيو 1800م كتب سليمان الحلبي عددًا مِن الابتهالات والدعوات إلى ربه على عددٍ مِن الأوراق، ثم قام بتعليقها في الجامع الأزهر، ثم توجه إلى (بركة الأزبكية) حيث كان الجنرال كليبر يقيم في قصر (محمد بك الألفي) الذي اغتصبه بونابرت وأقام فيه، ثم سكنه بعد رحيل بونابرت إلى فرنسا، ودخل سليمان حديقة قصر محمد الألفي بك الذي يقيم فيه كليبر، وتمكن من أن يطعن كليبر عدة طعنات بنصل سكين قد اشتراها من غزة، طعنات قاتلة في الكبد، وفي سرته، وفي ذراعه الأيمن، وفي خده الأيمن، ثم تمكن مِن طعن كبير المهندسين قسطنطين بروتاين ست طعنات أيضًا، لكنها غير قاتلة، وهكذا استطاع المجاهد الإسلامي البطل أن يخلص المصريين مِن حياة العبودية والذل، إلى حياة الحرية والعزة.
هذا وقد استطاع الفرنسيون إلقاء القبض على سليمان الحلبي، وتمت محاكمته بعد حرق يده اليمنى خلال التحقيق معه، ثم تم قُتل سليمان بالإعدام بالخازوق؛ ففي يوم 28/ 06/ 1800م، تم غرس وتد الخازوق في مؤخرة سليمان الحلبي فوق (تل حصن المجمع – تل العقارب)، ثم تُرك جثمانه المغروس في أحشائه وتد الخازوق النافذ عدة أيام، تنهشه السباع والطيور، وتم دفن جثمان الجنرال كليبر في موضع مِن القاهرة قريب مِن (قصر العيني)، بعد تشييعه في احتفاء رسمي كبير، وقد كان جثمانه موضوعًا في تابوت من الرصاص ملفوفًا بالعلم الفرنسي، وفوق العلم سكين سليمان الحلبي المشتراة من غزة.
وقد حمل الجنرال مينو معه إلى باريس عظام الجنرال الظالم الغشوم كليبر في صندوق، وعظام البطل المجاهد -الشهيد بمشيئة الله- سليمان الحلبي في صندوق آخر، وعند إنشاء متحف (إنفاليد – الشهداء) بالقرب مِن (متحف اللوفر) في باريس، خصص في إحدى قاعات المتحف اثنان مِن الأرفف: الرف الأعلى وضعت عليه جمجمة الجنرال كليبر، وإلى جانبها لوحة صغيرة مكتوب عليها: (جمجمة البطل) الجنرال كليبر، والرف الأدنى تحته وضعت عليه جمجمة البطل المجاهد سليمان الحلبي، وإلى جانبها لوحة صغيرة مكتوب عليها: (جمجمة المجرم) سليمان الحلبي. والجمجمتان لا تزالان معروضتين في متحف (إنفاليد) إلى يومنا هذا، وقد احتفل علماء الأزهر الشريف بهذا النصر المبين، وفتحت أبوابه مرة أخرى بعد أن كانت مغلقة، وفرح الناس في مصر وغيرها فرحًا شديدًا بزوال الغمة.
فهذا هو سليمان الحلبي الذي أنصفه الرجال وظلمه الأقزام؛ ظلمه الأقزام أصحاب الخسة والنذالة، الذين يرضون بالذلة والمهانة!
ومِن العجيب: أن يخرج علينا الآن مَن يتهم “سليمان الحلبي” بالخيانة، ويصفونه بالقاتل المأجور، وهو الذي ضحى بحياته في سبيل دينه وأمته!
والله المستعان.