كيف تحمل الصِّدِّيق أمانة الدين؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فبعد اجتماع الصحابة -رضي الله عنهم- في سقيفة بني ساعده بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، تولى أمر الأمة الصديق -رضي الله عنه-، فهو أول خليفة يقود الأمة بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ثم حدث أن ارتد عن الإسلام بعض مَن آمن في عصر النبوة؛ منهم مَن ارتد بالكلية، ومنهم مَن منع الزكاة، وهنا قرر الخليفة أن يقاتل مَن ارتد عن الإسلام، وعٌرفت هذه الحروب بحروب الردة، ولم يبقَ على الإسلام إلا مكة والمدينة والطائف وقرية جواثا في البحرين، ويصف عروة بن الزبير -رضي الله عنه- حال الأمة آنذاك فيقول: “كَالْغَنَمِ الْمَطِيرَةِ فِي اللَّيْلَةِ الشَّاتِيَةِ، لِفَقْدِ نَبِيِّهِمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقِلَّتِهِمْ وَكَثْرَةِ عَدُوِّهِمْ”.
وكان مِن الممكن أن تكون لهذه الفتنة العظيمة آثارٌ وخيمة، لولا أن الله -عز وجل- مَنّ على الأمَّة بالصِّدِّيق -رضي الله عنه-، الذي أيَّد الله به أمر هذه الأمة، وحفظ الله به هذه الملة، وقمع به المشركين والمرتدين.
قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: “والله الذي لا إله إلا هو، لولا أن أبا بكر استُخْلِفَ ما عُبِد اللهُ!”.
وقف أبو بكر وقفة رجل صادق، وقف بإيمان راسخ، وثبات ناطح قمم الجبال، وقف ولم يعتره اليأس، وقف وكله تفاؤل وثقة في موعود الله بحفظ هذا الدين، وقف وقرر قتال المرتدين.
قال عمر -رضي الله عنه-: فقلت يا خليفة رسول الله تألف الناس وارفق بهم. فقال لي: أجبّار في الجاهلية خوَّار في الإسلام؟! قد انقطع الوحي، وتم الدين، أينقص وأنا حي؟!
وهنا قاطعه عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قائلاٍ: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ، وَنَفْسَهُ، إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ)، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: فَوَاللهِ، مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ. (رواه مسلم).
وبالفعل تم القتال وحفظ الله للأمة كيانها بعد ردة كادت أن تقضي على الأخضر واليابس، واستقرت الأمور، وبدأ أبو بكر حركة الفتوحات في بلاد العراق وغيرها؛ فقد اصطفاه الله واختاره لحفظ هذا الدين.
ولقد سجلت لنا صفحات التاريخ الإسلامي أسماء رجال غيروا الواقع، وجددوا أمر هذا الدين، ورفعوا راية الإسلام عالية، وجعلوا الأمة في مقدمة القافلة الإنسانية، كأحمد بن حنبل وصلاح الدين الأيوبي وقطز وابن تيمية، ومحمد بن عبد الوهاب، وغيرهم مئات وآلاف؛ لذا ينبغي علينا أن نبذل قصارى جهدنا من أجل رفعة هذا الدين، وأن نسير على درب هؤلاء الصالحين المصلحين.
والله المستعان.