مقالات متنوعة

(وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ)

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن لربكم في أيام دهركم نفحاتٍ؛ فتعرضوا لها، لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبدًا؛ فالمؤمن الفطِن السعيد هو الذي يعرف شرف زمانه ووظائف المواسم الفاضلة فيغتنمها.

وللمؤمن في كل وقتٍ عبودية علمًا وعملاً، قال ابن القيم -رحمه الله-: “وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمر مرَّ السحاب!

وقال ابن الجوزي -رحمه الله-: “ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدِّم فيه الأفضل فالأفضل مِن القول والعمل، ولتكن نيته في الخير قائمة مِن غير فتور بما لا يعجز عنه البدن مِن العمل”.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (خِيَارُكُمْ أَطْوَلُكُمْ أَعْمَارًا، وَأَحْسَنُكُمْ أَعْمَالاً) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

ومِن المواسم الفاضلة والأزمنة الغالية الثمينة التي لا بد للمسلم أن يغتنمها: “أيام التشريق”، قال الله -عز وجل- فيها: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) (البقرة:203).

والأيام المعدودات هي “أيام التشريق”، وهي: “اليوم الحادي عشر – والثاني عشر – والثالث عشر” مِن شهر ذي الحجة.

وقد ورد في فضلها بعض الأحاديث، فعن عبد الله بن قرط أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أَعْظَمُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ يَوْمُ النَّحْرِ, ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني). و(يَوْمُ الْقَرِّ) هو: اليوم الذي يلي يوم النحر، أي يوم الحادي عشر مِن ذي الحجة؛ لأن الناس يقرون فيه، أي: يستقرون فيه بمنى بعد أن فرغوا مِن طواف الإفاضة والنحر واستراحوا.

وعن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ، عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلَامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني)، وفي رواية: (لَا تَصُومُوا هَذِهِ الْأَيَّامَ, فَإِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ) (رواه أحمد، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، وَذِكْرٍ لِلَّهِ) (رواه مسلم).

وفي ذلك إشارة إلى أن الأكل والشُّرب في أيام الأعياد إنما يُستعان به على ذكر الله -تعالى- وطاعته، وذلك مِن تمام شكر النعمة أن يُستعان بها على الطاعات.

فهذه الأيام المباركة هي أيام أكل وشرب، وفرحة وسرور، وذكر لله -عز وجل-؛ فيجمع المسلمون فيها بيْن غذاء الروح، وغذاء الجسد؛ فيأكلون ويشربون، ويذكرون الله -تعالى-.

وكذلك التكبير المطلق فهو من المستحبات أيضًا: في السوق، وفي البيت، وفي المسجد، وفي الطريق؛ تعظيمًا لله -تعالى-, وإظهارًا لشعائره، وقد كان عمر -رضي الله عنه- يكبِّر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون, ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيرًا، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يكبر بمنى تلك الأيام, وخلف الصلوات, وعلى فراشه, وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعًا.

فعلى المسلمين أن ينشغلوا هذه الأيام بكثرة ذكر الله -تعالى-، سواء التكبير المطلق في أي وقت أو المقيد عقب الصلوات المكتوبات، وهو مشروعٌ، إلى آخر أيام التشريق عند جمهور العلماء.

ويكثر ذكره -تعالى- أيضًا بالتسمية والتكبير عند ذبح الأضاحي والهدايا، فإن وقت ذبح الهدايا والأضاحي يمتدُّ إلى آخر أيام التشريق، وكذا يذكر الحجاج ربهم عند رمي الجمار أيام التشريق، وهكذا يا عباد الله، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا . وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) (الأحزاب:41-42).

الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.

زر الذهاب إلى الأعلى