الأم في خطر… !
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فهل تخيلتَ يومًا هذه القصة… ؟
امرأة تزوجت ثم أنجبت أربعة من الذكور وبنتًا واحدة، ثم مات زوجها ولم يترك لهم مالاً وهنا عاشت الأم لهدف واحد “تربية الأبناء”، فعاشت حياتها كلها لخدمة أبنائها وضحت بشبابها ورفضت أن تتزوج، وواصلت الليل بالنهار ما بين العمل وخدمة الأبناء فكانت لا تنعم بنوم ولا براحة وضاقت عليها الدنيا ووصل بها الحال أنها كانت تعمل خادمة في المنازل، وكانت تقول: كل ذلك يهون في سبيل تربية أولادي، المهم أن يأكلوا وأن يلبسوا وأن يتعلموا، وأن يسعدوا ويفرحوا!
وبالفعل وفقها الله في تربيتهم وتخرجوا جميعًا من الجامعات؛ الأول أصبح مهندسًا، والثاني طبيبًا، والثالث ضابطًا، والرابع رجل أعمال ميسور الحال ثم تزوجوا جميعًا، وتخرجت البنت الوحيدة وتزوجت رجلاً مرموقًا من الشخصيات العامة، وأصبحت الأم تعيش بمفردها في البيت ولا يسأل عنها أحد من أولادها وللأسف كان الجزاء هو العقوق بدلاً من الإحسان بعد أن قدمت حياتها كلها لهم وذاقت من أجلهم شتى أنواع التعب، ومن أعظم ما يؤلم الإنسان أن يجازى بالإساءة على الإحسان!
المهم أنها أصيبت بمرض شديد واتصلت بأبنائها تطلب منهم الحضور فلم يستجب أحد حتى البنت الوحيدة التي من المفترض أن تكون رحيمة بأمها لم تستجب لنداء أمها، وهنا تدخل بعض أهل الخير من الجيران ونقلوا الأم إلى المستشفى، ولكن الحالة تدهورت والمرض يزداد يومًا بعد يوم والأم تسأل وهي تتحسر وتبكي: أين أولادي وفلذات كبدي الذين قدمت عمري كله لهم؟! وقلبها يتقطع من الحسرة والألم.
ثم تدهورت الحالة الصحية إلى أبعد مدى واحتاجت الأم إلى التبرع بالدم والانتقال إلى العناية المركزة واحتاجت إلى علاج غالي الثمن، وهنا اتصل الجيران بجميع الأبناء يطلبون منهم سرعة الحضور؛ لأن الأم أصبحت على عتبات القبر، وللأسف اعتذروا جميعًا عن الحضور فطلب منهم أهل الخير إرسال المال فقط، وهنا اعتذر الأبناء أيضًا فتعجب أهل الخير “هل هؤلاء أبناؤها حقًا؟! هل هذه المرأة هي أمهم حقًا؟!”.
والأم لا زالت في خطر… نعم هي في خطر، بل في خطر شديد والأبناء يبحثون عن مصالحهم الشخصية.
هل تعلمون مَن هذه الأم؟!
هي “مصر”، هي أمنا جميعًا، وللأسف مصلحة الحزب والجماعة أصبحت عند البعض أهم من مصلحة مصر الأم!
فينبغي علينا أن نتقي الله في مصر؛ حتى بعض أبناء التيار الإسلامي لا يشعرون بمدى الخطر الشديد الذي تتعرض له مصرنا الحبيبة، تذكرت حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا) (رواه البخاري).
الكل الآن يفكر فيمن يرفع الراية -إلا من رحم الله- ولا نفكر في الراية نفسها، وكان من الأولى والأجدر بنا أن نتفق على رفع الراية بغض النظر عمن سيرفعها، فالمهم أن تُرفع الراية؛ حقًا الأم في خطر… فهل من منقذ؟ هل هناك من يبر أمه وينقذها من الخطر؟!
وأذكر إخواني وأحبابي من أبناء التيار الإسلامي بكلام يكتب بماء الذهب لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- قال: “ليس لأحد أن ينصب للعامة شخصًا يدعو إلى طريقته ويوالي ويعادي عليها غير النبي -صلى الله عليه وسلم-“، وأذكرهم أيضًا بكلمة الإمام أحمد -رحمه الله-: “ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن اختلفنا”.
والله المستعان.