الفرق بين التواضع المحمود والتواضع المذموم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فلقد حثَّ الإسلام على خُلُق التواضع، قال الله -تعالى-: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) (الحجر:88)، وقال: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (الشعراء:215)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ) (رواه مسلم).
وينقسم التَّواضُع إلى قسمين: “أحدهما محمود، والآخر مذموم”.
فأما المحمود: فهو تواضع العبد لربه -جلَّ وعلا-، وانكسار قلبه وخضوعه بيْن يديه، والانقياد والاستسلام لأوامره، واجتناب نواهيه، ثم التواضع لعباد الله، وعدم التكبر عليهم والازدراء بهم.
وأما التواضع المذموم: هو تواضع المرء لذي الدُّنْيا رغبةً في دنياه، كمَن يتواضع لرئيسٍ أو سلطانٍ أو حاكمٍ؛ لينال منه شيئًا مِن حظِّ الدنيا، وهذا نوع مِن المهانة والخِسة!
قال ابن القيِّم -رحمه الله-: “ومِن التَّواضُع المذموم: المهانة. والفرق بيْن التَّواضُع والمهانة: أنَّ التَّواضُع يتولَّد مِن بيْن العلم بالله -سبحانه- ومعرفة أسمائه وصفاته ونعوت جلاله، وتعظيمه ومحبَّته وإجلاله، ومِن معرفته بنفسه وتفاصيلها وعيوب عملها وآفاتها، فيتولَّد مِن بين ذلك كلِّه خُلُقٌ هو التَّواضُع، وهو انكسار القلب لله، وخفض جناح الذُّل والرَّحمة بعباده، فلا يرى له على أحدٍ فضلًا، ولا يرى له عند أحدٍ حقًّا، بل يرى الفضل للنَّاس عليه، والحقوق لهم قِبَلَه، وهذا خُلُقٌ إنَّما يعطيه الله -عزَّ وجلَّ- مَن يحبُّه ويكرمه ويقرِّبه. وأمَّا المهانة: فهي الدَّناءة والخِسَّة، وبذل النَّفس وابتذالها في نيل حظوظها وشهواتها، كتواضع السّفَل في نيل شهواتهم” (انتهى).
فلا يجوز لمسلم أن يذل نفسه أو يطأطئ رأسه أو أن ينافِق ويداهن؛ لكي يصل إلى منصبٍ أو مالٍ أو أي غايةٍ دنيويةٍ، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ) قَالُوا: وَكَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ؟ قَالَ: (يَتَعَرَّضُ مِنَ البَلَاءِ لِمَا لَا يُطِيقُ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).
والله المستعان.