مقالات تاريخية

معركة ممس في الشمال الإفريقي بقيادة زهير البلوي

معركة ممس في الشمال الإفريقي بقيادة زهير البلوي:

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،

فلقد تحدثنا في مقال سابق عن استشهاد عقبة وأبي المهاجر، واحتلال كسيلة لمدينة القيروان بعد معركة تهوذة، وارتداد كسيلة عن الإسلام، ونستعرض في هذا المقال جهود زهير بن قَيْس الْبَلَوِي في الفتوحات.

لقد اهتم عبد الملك بن مروان بعد أن تولى أمر الخلافة بأحوال المسلمين في إفريقية؛ ولذلك أرسل جيشًا إلى زهير بن قَيْس الْبَلَوِي([1])، وأمره بالخروج على أعنّة الخيل فيمَن معه مِن المسلمين لغزو إفريقية حتى يعود إليها الإسلام كما كان.

ويقول ابن الأثير : “لما ولي عبد الملك بن مروان ذُكر عنده من بالقيروان من المسلمين وأشار عليه أصحابه بإنفاذ الجيوش إلى إفريقية لاستنقاذهم، فكتب إلى زهير بن قيس البلوي بولاية إفريقية وجهز له جيشًا كثيرًا، فسار سنة 69هـ إلى إفريقية”([2]) .

وبالفعل تحرك زهير نحو القيروان، وهنا اقترح كسيلة على جيشه الخروج من القيروان واختيار موضع آخر لمواجهة جيش زهير الذي أمده به عبد الملك بن مروان، فقال كسيلة: “إني أردتُ أن أرحل إلى ممس([3]) فأنزلها، فإن هذه المدينة (يعني القيروان) فيها خلق عظيم من المسلمين ولهم علينا عهد فلا نغدر بهم، ونحن نخاف إذا التحم القتال أن يثبوا علينا”.

وبالفعل تحرك كسيلة وجيشه إلى ممس فلحق به زهير، والتقى الجيشان ودارت بينهما معركة قاسية شديدة، وفي هذه المعركة انتصر المسلمون وانهزم كسيلة، وواصل زهير رحلته الجهادية حتى استشهد زهير البلوي في معركة مع البيزنطيين في مدينة درنة بشرق ليبيا، ودفن مع أصحابه، وقبورهم هناك معروفة إلى اليوم، وتسمَّى: “مقبرة الشهداء”، وكان ذلك عام 71 هـ.

وكان وقع استشهاد زهير بن قيس البلوي ورفاقه عظيمًا على الخليفة عبد الملك بن مروان؛ لذلك نراه يجهِّز جيشًا كبيرًا قوامه نحو أربعين ألف مقاتل غالبيتهم من أهل الشام، وعهد بقيادته إلى حسان بن النعمان الغساني الذي كان رجلًا ورعًا تقيًّا، يدل على ذلك تسميته بـ(الشيخ الأمين)، وقد أقرَّ الخليفةُ عبد الملك حسانَ بن النعمان أن يقيم بمصر استعدادًا لإنجاز مهمته.

وهكذا يمضي الموكب الكريم في بلاد المغرب، يموت بطل مجاهد، فيخلفه بطل مجاهد آخر.

  1. () شهد فتح مصر وسكنها، يقال: إن له صحبة، قتلته الروم ببرقة من بلاد المغرب.
  2. () ابن الأثير: الكامل في التاريخ.
  3. () قرية قريبة من القيروان، وفي الكامل اسمها (مَمْشَ)، والمشهور: ممس.

 

زر الذهاب إلى الأعلى