مقالات تاريخية

د. زين العابدين كامل: معركة تِلِمْسَان وإسلام كُسَيْلَة البربري

معركة تِلِمْسَان وإسلام كُسَيْلَة البربري:

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،

لقد ذكرنا آنفًا: أن أبا المهاجر أراد أن يجري تعديلًا جذريًّا في أسلوب التعامل مع البربر، وقد رأى بفطنته ورجاحة عقله: أن سياسة الشدة التي كان يسير عليها عقبة بن نافع لا بد أن تستبدل بسياسة كسب القلوب، وهذا ما حدث عمليًّا بالفعل في معركة تِلِمْسَان([1])؛ فبعد أن استكمل كُسَيْلَة بْن لَمْزَمَ الْبَرْبَرِيِّ ؛ عدته عسكر في تلمسان، وانتظر اللقاء المرتقب مع أبي المهاجر ولم يطل انتظاره، فقد وصل أبو المهاجر وعسكر بجيشه حول تلمسان، ثم التقى الجيشان ودارت معركة قاسية، أبلى فيها كلٌّ مِن الفريقين بلاءً كبيرًا، وأدركوا خطورتها، وأنها لها ما بعدها، وكثر عدد القتلى من الجيشين، ثم أنزل الله نصره على المسلمين، واستطاعوا أن ينتصروا على كسيلة وجيشه، بل لقد أسر المسلمون كسيلة وحملوه إلى أبي المهاجر.

وهنا أحسن أبو المهاجر إلى كسيلة وقرَّبه وعامله معاملة الملوك؛ ذلك أن أبا المهاجر كان يطمع في إسلام كسيلة، وبالفعل حدَّثه عن الإسلام وعرَّفه حقيقته، وأنه دين التوحيد الخالص والعدل والأخوة، وأنه لو أسلم فلن يخسر شيئًا، بل على العكس من ذلك؛ أنه لو أسلم لله فهو فائز في الدنيا والآخرة، وكان كسيلة ذكيًّا طموحًا مخلصًا لقومه لا يريد لهم إلا الإصلاح، فآمن كسيلة، وأصبح من المسلمين وتعلم اللغة العربية، وأصبح من المقربين من أبي المهاجر، وبدأ كسيلة يسعى لنصرة الإسلام والمسلمين، فمشى بين البربر يدعوهم إلى الدخول في دين الإسلام، وكان البربر قد تفتحت قلوبهم للإسلام والمسلمين؛ لاسيما بعد ما رأوه من حسن المعاملة، والخلق الحسن.

وبالفعل أقبل البربر على الدِّين الإسلامي الحنيف، ثم عاد أبو المهاجر بعد أن اطمأن إلى أمور المغرب الأوسط وإلى إسلام البربر إلى مقره قريبًا من القيروان، وأقام بقرية تسمى دكرور يراقب الأمور، ويرصد تحركات الروم ودسائسهم، ويعمل على إزالة نفوذهم من الشمال الإفريقي، لكن لم يطل به المقام، فقد توفي مولاه مسلمة بن مخلد الأنصاري والي مصر سنة 62 هـ، وكان مسلمة سندًا قويًّا لأبي المهاجر؛ فإذا بيزيد بن معاوية (60 – 64 هـ) يصدر قرارًا بعزل أبي المهاجر وعودة عقبة بن نافع إلى إفريقية مرة ثانية([2]).

وفي تولية أبي المهاجر على إفريقية دليل على ثقة مسلمة بن مخلد الأنصاري فيه؛ وحسن معاملة الموالي في الإسلام، وبيان أن الناس كلهم سواسية في الإيمان؛ سواء أكانوا عربًا مسلمين أو أجناسًا أخرى من غير العرب، ونستشهد بهذا الاختيار على أن الموالي قد تمتعوا بمكانةٍ مرموقةٍ في العصر الأموي، بعكس ما تصوره بعض الأقوال([3]).

ونستكمل في المقال القادم بمشيئة الله تعالى.

  1. () هما مدينتان، إحداهما قديمة، والأخرى جديدة اختطها المرابطون، فهي كالفسطاط والقاهرة من أرض مصر. معجم البلدان (2/ 44).
  2. () كانت هناك خلافات حادة وعداوة ظاهرة بين عقبة بن نافع وأبي المهاجر، ولكني آثرت ألا أذكرها وأن أغض الطرف عنها، ولمَن اراد أن يتعرف على تفاصيل ما كان جرى بينهما، فليراجع كتاب: العالم الإسلامي في العصر الأموي (240 -245)، وكتاب: الدولَة الأمويَّة عَواملُ الازدهارِ وَتَداعيات الانهيار (ص370).
  3. () تاريخ المغرب الكبير (2/ 38)، العالم الإسلامي في العصر الأموي (ص 244).

 

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى