نفثة مصدور مهموم!
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فيحتاج الإنسان أحيانًا إلى نفثة يُخفف بها عن صدره، ويُروِّح بها عن نفسه؛ لذا أردتُ أن أكتب كلماتي هذه لأُخفف بها عن نفسي ولعلها تنفع إخواني مِن أبناء الصحوة المباركة، ولا شك أنه مِن الأمور المحمودة أن يحمل المسلم همَّ دينه ودعوته، فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: (مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا هَمَّ آخِرَتِهِ: كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ، وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا: لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَتِهَا هَلَكَ) (رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني).
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ: جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ: جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
فلقد تذكرت ما كنا عليه قديمًا، مِن تمسكٍ وثباتٍ على منهج السلف، ثم قمتُ بعمل مسحٍ عرضيٍ لواقع الملتزمين اليوم؛ فرأيتُ تغيرًا واضحًا بيْن ماضينا وحاضرنا؛ فإننا نرى الآن بعض أبناء الصحوة وهم يفرِّطون في ركيزة الإسلام الأولى (الصلاة)؛ فنرى بعض إخواننا لا يعرفون لصلاة الفجر طريقًا، وربما جمعوا بيْن الصلوات المكتوبة بعد أن كانت حلقات العلم في الأغلب الأعم عقب صلاة الفجر وحتى وقت الضحى!
ورأينا مَن لا يصوم إلا رمضان، ويوم عرفة!
ورأينا مَن ترك طلب العلم بالكلية، بعد أن كان طلب العلم هو السمة الرئيسية المميزة بيننا وبيْن غيرنا.
ورأينا مَن يضيع ساعات يومه أمام مواقع الإنترنت بأنواعها المختلفة، وليس له صلة بالقرآن الكريم، وذلك بعد أن كنا نرى المصاحف في الجيوب، ونرى القارئين للقرآن في وسائل المواصلات المختلفة!
ورأينا كذلك البعض وهو يذهب إلى صلاة الجمعة متأخرًا دومًا، بعد أن يصعد الخطيب على المنبر، وربما في نهاية الخطبة، دون غُسل ونحوه مِن آداب الجمعة، وقد كنا قديمًا نذهب إلى صلاة الجمعة ونصلي ما شاء الله، ونقرأ سورة الكهف، ويقوم بعض الحضور بالمرور على المصلين بجواره وهو يحمل في يده زجاجة الطيب ليطيب بها إخوانه؛ كل هذا ولم يأتِ الخطيب بعد!
وهناك صنف آخر انتشر بيننا اليوم يجهر بتشجيعه لمباريات كرة القدم ويُعلن ذلك، ويضيع وقته فيه!
وقد كان مَن يفعل ذلك قديمًا يستحيي أن يظهره؛ لأن هذا الأمر كان مِن الأمور المذمومة التي لا تتناسب مع حياة الملتزم آنذاك، ثم رأينا الآن مَن يحتفل بأعياد الميلاد ويجهر بذلك أيضًا، وقد كان هذا الفعل قديمًا مِن الأمور المستقرة عند كل ملتزم بأنها مِن أنواع التشبه بغير المسلمين؛ فانظر وتأمل، كيف كنا وكيف أصبحنا!
فلابد إذن مِن إعادة التربية للجيل الجديد ليكون مؤهلًا ليحمل منهج السلف.
والله المستعان.