الرد الهادي على الدكتور “الهلالي”
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن الهوية هي الخصوصية والذاتية، وهي ثقافة الفرد وعقيدته، ولغته وحضارته وتاريخه، والهوية جزء لا يتجزأ من كيان الأمة وتاريخها، ولابد من أن تعبِّر الهوية عن الواقع، فهي مجمل السمات التي تميز شيئًا عن غيره، أو شخصًا عن غيره أو مجموعة عن غيرها، أو بلدًا عن غيره، وتكون انعكاسًا لقيم وآراء ومواقف وسلوك الأفراد.
والأعداء يحاولون أن يغيروا المجتمع الإسلامي ويطمسوا الهوية الإسلامية في بلاد المسلمين، ويحاولون أن تتحول بلاد الإسلام إلى صورة من النمط الغربي، وقد قطعوا في ذلك شوطًا كبيرًا “خاصة وأجهزة الإعلام بأيديهم”.
والهوية الإسلامية التي تميز المسلم هي الانتماء إلى الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وإلى دين الإسلام وعقيدة التوحيد، فبها يعتز المسلم، وفيها يوالي وفيها يعادي ويحب ويكره، وهي منهج المسلم الذي يتابع فيه سنن مَن تقدمه من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ويسأل الله الهداية والثبات عليه في دعائه في الصلاة حيث يقول: (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ . صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ) (الفاتحة6-7).
وأهمية هذه الهوية في حياة المسلم هي أهمية الدين في حياته، وتنكر المسلم لها خطير على معتقده ودينه، ومن الأمور التي تدل على هوية المجتمع وتوجهاته “دستور الدولة” كما في الكيان اليهودي، والكيان الشيعي، وغيرهما… لذا كانت الحرب الآن حول مواد الهوية في الدستور المصري؛ لاسيما المادة (219) فمواد الهوية ليست كلمات ستكتب، ولكن هي عبارة عن توصيف لهوية الدولة.
ومن العجب أن يخرج علينا الدكتور “سعد الدين الهلالي” في بعض تصريحاته، ويقول: إن المادة (219) متناقضة وظالمة وغير علمية، وتورث العقم الفقهي وهو ما يستوجب حذفها واعتبارها كأن لم تكن من الأساس… !”.
وبداية أقول: إنه من المعضلات توضيح الواضحات… كيف للدكتور “سعد الدين” أن يرى أن كلمة مبادئ واضحة المعنى، وأن المادة (219) غير واضحة وبها غموض مع أنها جاءت مفسرة لكلمة فضفاضة واسعة، فالمادة (219) تنص على أن: “مبادئ الشريعة تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة”, علمًا بأن الدكتور “سعد” لم يبيِّن لنا ما هو مدى الغموض والتناقض والظلم بالمادة (219)؛ فهو يتكلم بكلام مرسل، بل بكلام باطل ليس عليه بينة أو دليل، وأنا أراه مفلس الحجة!
وأنا أتحدى الدكتور “سعد” في أن يأتي لنا بتفسير شرعي لكلمة مبادئ؛ فكلمة “مبادئ” لا توجد في القرآن ولا في السنة، ولا في كلام الفقهاء والأصوليين، وتفسير المحكمة الدستورية العليا للمادة الثانية اختلف من وقت لآخر، وكان أفضل ما يكون في عام 1985م حيث فسَّرت المبادئ بالأحكام، وفي تفسير آخر للمحكمة الدستورية العليا في سنة 1996م أنها قطعي الثبوت والدلالة، وذلك عندما طرحت مسألة النقاب على المحكمة الدستورية العليا بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 18 مايو 1996م الموافق 30 ذو الحجة 1416هـ، وذهبت حيثيات الحكم إلى أن لولي الأمر أن يشرع استلهامًا للمصالح المعتبرة التي تناسب مقاصد الشريعة، وأن هيئة المرأة لا تضبطها نصوص مقطوع بها سواء في ثبوتها أو دلالتها، وحق الاجتهاد فيها مفتوح في إطار النصوص القرآنية، وأن قرار منع النقاب في المدارس لا يخالف المادة الثانية من الدستور، ولا ينال من حرية العقيدة، بل هو اجتهاد مقبول شرعًا.
ومنهم مَن فسرها بما هو أعم من ذلك: كالحرية، والمساواة، والعدل، والكرامة الإنسانية؛ فهي كلمة واسعة فضفاضة تحتمل معانٍ كثيرة.
وأما لو كان مقصده بالغموض وجود كلمة (مصادرها).
فنقول: هذا من باب عطف العام على الخاص، وذلك نظرًا لإصرار البعض على وجود كلمة (الأدلة الكلية) في المادة، وبهذا تخرج الأدلة الجزئية، فكان لابد من وجود كلمة مصادرها والأصل في نصوص الدساتير أن تكون نصوصًا واضحة، جامعة مانعة، معبِّرة عن عقيدة الأمة وهويتها؛ فلماذا الإصرار على وجود الغموض في المادة الثانية؟!
ولماذا نصر على المتشابه المختلف فيه ونرفض المحكم الواضح المتفق عليه؟!
ولابد أن نكون على يقين بأن الإسلام يختلف عن غيره من الملل، فهو دين شامل لكل حياة البشر؛ أفرادًا وجماعات، وشعوبًا ودولاً، قال الله -تعالى-: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام:162-163)، وقال -تعالى-: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) (النساء:105)، وقال -تعالى-: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (البقرة:213).
فالإسلام منهج رباني ارتضاه الله لنا ورضينا نحن به، والمقصود من الشريعة “هو الدين كله”؛ عقيدة وعبادة ومعاملة، وخلقًا وسلوكًا، ونظمًا للحياة في السياسة والقضاء، والحرب والسلم، والتعليم والإفتاء، والاقتصاد والنظام الاجتماعي، وكان من الأولى أن يدافع الدكتور “سعد” عن هوية الأمة، وعن تحكيم شرع الله -تعالى- في البلاد والعباد؛ لا أن يقف في صفوف الكارهين لشرع الله -تعالى-، وقضية الهوية ليست قضية حزب النور، بل هي قضية الأمة بأسرها.
ولابد أن نعلم أن الإيمان لا يصلح إلا بثلاثة أمور:
الأول: أن يكون التحاكم في كل نزاع إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
الثاني: أن تنشرح الصدور بحكمه ولا يكون في النفوس حرج وضيق منه.
الثالث: أن يحصل التسليم التام بقبول ما حكم به، وتنفيذه دون توان أو انحراف؛ وذلك لقوله -تعالى-: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (النساء:65).
والله المستعان.