مقالات تاريخية

آق شمس الدين ودوره في فتح القسطنطينية

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد؛

الشيخ آق شمس الدين، هو محمد شمس الدين بن حمزة، يتصل نسبه إلى الخليفة الراشد أبي بكر الصديق رضى الله عنه، وُلِد في دمشق عام 792هـ وتوفي عام 1459ه، حفظ القرآن الكريم وهو في السابعة من عمره، ودرس في أماسيا ثم في حلب ثم في أنقرة وطلب فنون العلوم وتبحر فيها وأصبح مِن أعلام الحضارة الإسلامية في عهدها العثماني. وهو مُعلم محمد الفاتح ومربيه، وقد درَّس الشيخ آق شمس الدين لمحمد الفاتح، القرآن الكريم والسنة النبوية والفقه والعلوم الإسلامية واللغات (العربية، والفارسية والتركية) وهو القائد المعنوي لفتح القسطنطينية، واستطاع الشيخ آق شمس الدين أن يُقنِع الأمير الصغير بأنه المقصود بالحديث النبوي: “لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش”. (أخرجه الحاكم وصححه، والطبراني، وحسنه ابن عبد البر)، وعندما أصبح الأمير محمد سلطانًا على الدولة العثمانية، وكان شابًّا صغير السن وجَّهه شيخه فورًا إلى التحرُّك بجيوشه لتحقيق الحديث النبوي، فحاصر العثمانيون القسطنطينية برًّا وبحرًا. ودارت الحرب العنيفة 54 يومًا، وفي البداية حقق البيزنطيون انتصارًا مؤقتًا، وأرسل البابا أربع سفن إلى الروم، وهنا اجتمع الأمراء والوزراء العثمانيون وقابلوا السلطان محمد الفاتح وعاتبوه عتابًا شديدًا وقالوا له: إنك دفعت بهذا القدر الكبير من الجند إلى هذا الحصار جريًا وراء كلام أحد المشايخ -يقصدون آق شمس الدين- وقد هلكت الجنود وفسد كثير مِن العتاد، فأرسل السلطان محمد وزيره ولي الدين أحمد باشا إلى الشيخ آق شمس الدين في خيمته يسأله الحل، فأجاب الشيخ: “لا بد مِن أن يمنَّ الله بالفتح”، ثم أرسل وزيره مرة أخرى إلى الشيخ، فكتب الشيخ هذه الرسالة إلى تلميذه محمد الفاتح يقول فيها: “إن الله تعالى هو المعزُّ الناصر، إن حادث تلك السفن قد أحدث في القلوب التكسير والملامة وأحدث في الكفار الفرح والشماتة. إن القضية الثابتة هي: إن العبد يدبر والله يقدر والحكم لله، ولقد لجأنا إلى الله وتلونا القرآن الكريم، وما هي إلا سنة مِن النوم بعد، إلا وقد حدثت ألطاف الله تعالى، فظهرت مِن البشارات ما لم يحدث مثلها مِن قبل”، فأحدث هذا الخطاب راحة وطمأنينة في الأمراء والجنود، وقرروا الاستمرار في الحرب لفتح القسطنطينية، ثم أراد السلطان أن يكون شيخه بجانبه أثناء الهجوم، وذهب السلطان بنفسه إلى خيمة الشيخ ليستدعيه، فمنع الحراس السلطان مِن دخول الخيمة بناءً على أمر الشيخ، فأخذ الفاتح خنجره وشق جدار الخيمة في جانب من جوانبها، ونظر إلى الداخل، فإذا شيخه ساجدًا لله في سجدة طويلة، وعمامته متدحرجة مِن على رأسه، وشعر رأسه الأبيض يتدلى على الأرض، ولحيته البيضاء تنعكس مع شعره كالنور، ثم رأى السلطان شيخه يقوم من سجدته والدموع تنحدر على خديه، فقد كان يناجي ربه ويدعوه بإنزال النصر ويسأله الفتح القريب.

ثم عاد السلطان محمد الفاتح عقب ذلك إلى مقر قيادته، ونظر إلى الأسوار المحاصرة فإذا بالجنود العثمانيين قد أحدثوا ثغرات بالسور تدفق منها الجنود إلى القسطنطينية، ففرح السلطان بذلك، وقال: ليس فرحي لفتح المدينة، إنما فرحي بوجود مثل هذا الرجل في زمني، فنحن أحوج ما نكون إلى الدعاء وإلى صدق اللجوء إلى الله تعالى، بالدعاء تستمطر الرحمات وتستجلب البركات ويأتي النصر مِن الله تعالى، نحتاج إلى التضرُّع إلى الله، قال تعالى: (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا)، وعلينا ألا نيأس مِن روح الله تعالى، ففي عام 656هـ ولد عثمان أرطغرل، مؤسس الدولة العثمانية وهي السنة التي غزا فيها المغول بلاد المسلمين بقيادة هولاكو وأسقطوا بغداد عاصمة الخلافة العباسية، لقد كان الخطب عظيمًا والحدث جللًا والمصيبة كبرى، جاء التتار فهتكوا الأعراض، وسفكوا الدماء، وقتلوا الأنفس، ونهبوا الأموال، وخربوا الديار، في تلك الظروف الصعبة ولد عثمان مؤسس الدولة العثمانية، فبداية التمكين هي أقصى نقطة مِن الضعف، وتلك هي بداية الصعود نحو العزة والنصر والتمكين، إنها حكمة الله وإرادته، والله المستعان.

زر الذهاب إلى الأعلى