من روائع التاريخ الإسلامي (إسلام جرجة القائد الروماني يوم اليرموك)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد وقف خالد بن الوليد -رضي الله عنه- بجيوشه يوم اليرموك، وهنا خرج جرجة حتى كان بين الصفين ونادى ليخرج إليه خالد، فخرج إليه خالد حتى اختلفت أعناق دابتيهما، وقد أمن أحدهما صاحبه، فقال جرجة: يا خالد أصدقني ولا تكذبني، فإن الحر لا يكذب، ولا تخادعني فإن الكريم لا يخادع، هل أنزل الله على نبيكم سيفًا من السماء فأعطاكه فلا تسله على قوم إلا هزمتهم؟
قال خالد -رضي الله عنه-: لا.
قال جرجة: فبِمَ سُمِّيت سيف الله؟!
قال خالد -رضي الله عنه-: إن الله -عز وجل- بعث فينا نبيه فدعانا، فنفرنا عنه ونأينا عنه جميعًا، ثم إن بعضنا صدقه وتابعه، وبعضنا باعده وكذبه، فكنت فيمن كذبه وباعده وقاتله، ثم إن الله أخذ بقلوبنا ونواصينا فهدانا به فتابعناه، فقال -صلى الله عليه وسلم-: “أنت سيف من سيوف الله سله الله على المشركين”، ودعا لي بالنصر فسميت سيف الله بذلك، فأنا من أشد المسلمين على المشركين.
ثم قال جرجة: يا خالد أخبرني إلامَ تدعوني؟
قال خالد -رضي الله عنه-: إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، والإقرار بما جاء به من عند الله.
قال جرجة: فمن لم يجبكم؟
قال خالد -رضي الله عنه-: فالجزية ونمنعهم.
قال جرجة: فإن لم يعطها؟
قال خالد -رضي الله عنه-: نؤذنه بحرب ثم نقاتله.
قال جرجة: فما منزلة الذي يدخل فيكم ويجيبكم إلى هذا الأمر اليوم؟
قال خالد -رضي الله عنه-: منزلتنا واحدة فيما افترض الله علينا شريفنا ووضيعنا وأولنا وآخرنا، ثم أعاد عليه جرجة: هل لمن دخل فيكم اليوم يا خالد مثل مالكم من الأجر والذخر؟
قال خالد: نعم وأفضل.
قال جرجة: وكيف يساويكم وقد سبقتموه؟
قال خالد -رضي الله عنه-: إنا دخلنا في هذا الأمر، وبايعنا نبينا وهو حي بين أظهرنا، تأتيه أخبار السماء ويخبرنا بالكتب، ويرينا الآيات، وحق لمن رأى ما رأينا وسمع ما سمعنا أن يسلم ويبايع، وإنكم أنتم لم تروا ما رأينا، ولم تسمعوا ما سمعنا من العجائب والحجج، فمن دخل في هذا الأمر منكم بحقيقة ونية كان أفضل منا.
قال جرجة: بالله لقد صدقتني ولم تخادعني ولم تألفني؟
قال خالد -رضي الله عنه-: بالله لقد صدقتك.
قال جرجة علمني الإسلام.
فمالَ به خالد إلى فسطاطه فشن عليه قربة من ماء، ثم أسلم وصلى ركعتين، ثم قاتل في صفوف المسلمين ثم أصيب جرجة ومات ولم يصلِّ صلاة سجد فيها إلا الركعتين اللتين أسلم عليهما (تاريخ الطبري – البداية والنهاية – المنتظم في تاريخ الملوك – تاريخ دمشق – نهاية الأرب – مرآة الزمان في تواريخ الأعيان).