مقالات تاريخية

تاريخ مدينة غزة (5)

غزة والحملات الصليبية

بقلم/ د. زين العابدين كامل

 

غزة والحملات الصليبية

لم تكن غزة بمنأى عن الأحداث العالمية ولا المحلية، فقد كانت دومًا رقمًا أساسيًا في معادلة الأحداث.

عندما جاءت الحملة الصليبية الأولى إلى أرض الشام عام ( 489هـ/ 1096م)، توغل الصليبيون في أرض الشام، ووصلوا حتى عسقلان، ولم تدخل غزة ساحة القتال آنذاك، وفي عام 1100م، تقدم الصليبيون نحو غزة، وذلك بعد أن توطدت أقدامهم، وهاجموها بقيادة – جود فريد – ودخلوها بالفعل وأقاموا بها قلعة كانت مهجورة.

وفي ذلك التوقيت لم يقم الصليبيون بالاعتناء بغزة، لا من الناحية العسكرية ولا التجارية، بل اتخذوا من مدينة عسقلان مركزًا لهم، ولذا تراجعت غزة عن دورها التجاري والعسكري آنذاك.

تحالف الشيعة العبيديين مع الصليبيين ضد أهل السنة:

أولًا: في الوقت الذي أسس فيه الصليبيون إمارة أنطاكية عام (491 ه)، لم يفكر الفاطميون الشيعة في دعم السلاجقة السنة في حربهم ضد الصليبيين، بل على العكس من ذلك، أرسلوا وفدًا منهم إلى الصليبيين، وعرضوا عليهم التحالف ضد السلاجقة، وبالفعل وقع الطرفان على اتفاق التحالف في شهر صفر عام 491هـ،

 بدأ الصليبيون التوغل في بلاد الشام، وبدأت المدن تتساقت بين أيديهم، حتى استطاعوا أن يستولوا على بيت المقدس عام ( 492هـ)، وقتل الصليبيون بالمسجد الأقصى ما يزيد عن سبعين ألفًا من المسلمين، منهم جماعة كثيرة من أئمة المسلمين، وعلمائهم.

و بعد الصراع الذي وقع بين الوزيرين شاور وضرغام عام (558هـ)، لجأ شاور إلى نور الدين حاكم دمشق، واستنجد به، وتعهد شاور لنور الدين إن ساعده في إعادته إلى منصبه، والقضاء على منافسه ضرغام، أن يدفع له ثلث خراج مصر، على أن يكون نائبه مقيماً بعساكره في مصر، وطلب منه عوناً عسكرياً لبسط سيطرته على مصر، وهنا أرسل نور الدين حملة عسكرية بقيادة أسد الدين شيركوه، وتُعد هذه الحملة الأولى لشيركوه، واستطاعت تلك الحملة أن تمكن شاور من السيطرة على الدولة وذلك عام ( 559هـ)، وكان الهدف الحقيقي لنور الدين محمود هو مراقبة بلاد مصر والوقوف على أحوالها، ومُلك الديار المصرية وإضافتها إلى المملكة النورية، وبالتالي يتم إعادة مصر إلى المذهب السني ؛ إلا أنَّ شاور نقض اتفاقه مع نور الدين وغدر به، ولم يدفع له شيئاً من خراج مصر بل تحالف مع الصليبيين ضد أسد الدين، واستنجد بعمورى الأول الذي كان يتأهب للزحف على مصر، وعرض عليه أموالًا ضخمة مقابل مساعدته لإخراج أسد الدين شيركوه من مصر، وبالفعل أسرع ملك بيت المقدس بالزحف إلى مصر – وهنا أرسل جيشه إلى مدينة غزة ليراقب تحركات الشاميين وتقدمهم –  واتصل فور وصوله إلى مدينة فاقوس، بشاور واتفقا على حصار أسد الدين في بلبيس، وعندما بلغ ذلك الخبر إلى نور الدين محمود، لجأ إلى تشديد هجماته على أملاك الصليبيين في بلاد الشام، فقام في رمضان (559هـ) بمهاجمة قلعة حَارِم ، وتمكن من استردادها من الصليبيين بعد مقتل أكثر من عشرة آلاف منهم، وأسر عدد آخر من بينهم عدد من قادتهم.

وفي النهاية اتفق الطرفان على الصلح على أن يغادر الطرفان مصر.

ولا تزال غزة في قلب الأحداث:

قال ابن كثير رحمه الله، في البداية والنهاية: “وففِي عام 566هـ، سَارَ صَلَاحُ الدِّينِ من مِصْرَ إِلَى بِلَادِ الْفِرِنْجِ، فَأَغَارَ عَلَى عَسْقَلَانَ وَالرَّمْلَةِ، وَهَجَمَ على غَزَّةَ وسيطر عليها، وَأَتَاهُ مَلِكُ الْفِرِنْجِ فِي قِلَّةٍ مِنَ الْعَسْكَرِ مُسْرِعِينَ لِرَدِّهِ عَنِ الْبِلَادِ، فَقَاتَلَهُمْ وَهَزَمَهُمْ، وَأَفْلَتَ مَلِكُ الْفِرِنْجِ.

وفي عصر الدولة الشيعية الفاطمية، ظَهَرت الْبِدَعُ وَالْمُنْكَرَاتُ وَكَثُرَ أَهْلُ الْفَسَادِ، ففي عام 567هـ، تَغَلَّبَ الْفِرِنْجُ عَلَى سَوَاحِلِ الشَّامِ بِكَمَالِهِ، حَتَّى أَخَذُوا الْقُدْسَ وَنَابُلُسَ وَعَجْلُونَ وَالْغُورَ وَبِلَادَ غَزَّةَ وَعَسْقَلَانَ وَكَرَكَ الشَّوْبَكِ وَطَبَرِيَّةَ وَبَانِيَاسَ وصور وعكا وصَيْدَا وبيروت وَأَنْطَاكِيَةَ”.

وللحديث بقية بمشيئة الله تعالى.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى