مقالات متنوعة

سعد الدين الهلالي والتدليس في مسائل المواريث

سعد الدين الهلالي والتدليس في مسائل المواريث

بقلم/ د. زين العابدين كامل

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،

فلقد أكرمنا الله تعالى ومنَّ علينا بنعمة الإسلام، وكفى بها نعمة، فإن الإسلام دين كامل و شامل، فهو منهج حياة، يصلح لقيادة البشرية في كل زمان ومكان، قال الله تعالى في سورة المائدة { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَام}.

وقد ابتُليت الأمة بأُنَاس يتَسَمَون بأسماء عربية إسلامية، وينتسبون إلى مؤسسات دينية، لكنهم قوم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها، يشككون في بعض أحكام الإسلام الثابتة في القرآن والسنة، و قد أجمعت عليها الأمة، فتارة يطعنون في السنة، وتارة ينكرون بعض الأحكام الشرعية، وتارة يبحثون عن الأقوال الشاذة في كتب الفقه والتراث، ويثيرون بها الفتن في المجتمع المسلم، فيطعنون في ثوابت الدين وأحكامه المستقرة القطعية الدلالة والثبوت.

ولقد خرج علينا الدكتور سعد الدين الهلالي عدة مرات وهو يطالب بالمساوة بين الذكر والأنثى في الميراث، وذلك على حد زعمه من باب التراحم والتسامح، وكأنه أرحم بالعباد من ربهم وخالقهم، قال تعالى في سورة الملك { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}.

ولم يكلف سعد الهلالي نفسه بالنظر والبحث في مسائل الميراث، ولو أنه أمعن النظر ولو لعدة دقائق حول مباحث ومسائل علم الفرائض والمواريث، لعلم أن الأمر على العكس مما يظن، فهو دائمًا يستدل بقوله تعالى في سورة النساء: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}، وهذه الآية تتحدث عن مسألة واحدة فقط من مسائل المواريث، ولكنه يوهم السامع بأن المرأة في الإسلام ترث نصف الرجل مطلقًا، وهذا تدليس وتلبيس وتَضْليل وتَلْفِيق وتَمْوِيه وخِدَاع ومَكْر.

حيث إن الدارس لعلم الفرائض في الإسلام يعلم أن المرأة لها نصف الرجل في حالات خمس فقط، وفيما سوى ذلك تتساوى معه أو تزيد عليه.

وقد ختم الله تعالى  آية المواريث في سورة النساء بقول: {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} قال ابن كثير رحمه الله: “هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَفْصِيلِ الْمِيرَاثِ، وَإِعْطَاءِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ -هُوَ فَرْضٌ مِنَ اللَّهِ حَكَمَ بِهِ وَقَضَاهُ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ الَّذِي يَضَعُ الْأَشْيَاءَ فِي مَحَالِّهَا، وَيُعْطِي كُلًّا مَا يَسْتَحِقُّهُ بِحَسَبِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}.

الحالات الخمس هي:

(1) في حين وجود أولاد ذكورًا وإناثاً للمتوفى.قال الله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (النساء: 11).

(2) في ميراث الزوج من الزوجة فإنه يرث ضعف ما ترث الزوجة من الزوج.

قال الله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (النساء: من الآية12).

(3) الأب يرث ضعف الأم إذا مات ولدهما ولم يكن له وارث إلا أبواه.

قال تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} (النساء:11).

للأم الثلث، وللأب الباقي، وهو الثلثان.

(4) ميراث الإخوة والأخوات من أخيهما.

قال تعالى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (النساء: من الآية176)

(5) الأب يرث ضعف الأم إذا مات ولدهما، وله ابنة واحدة.

للابنة النصف، وللأم السدس، والباقي للأب، وهو الثلث.

فهذه هي الحالات الخمس التي ترث فيها المرأة نصف الرجل، وما عدا ذلك فإنها تتساوى معه أو تزيده، ومن الأمثلة على التساوي بينهما:

 (1) ميراث الإخوة والأخوات لأم من أخيهما لأمهما، إذا غاب الحاجب.

قال الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} (النساء: من الآية12)

(2) الأب والأم في حين وجود الأبناء الذكور للميت.

قال تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ}

(النساء: 11).

 (3) الأب والأم في حين وجود أولاد إناث أكثر من واحدة.

لأن بنات الميت يرثن الثلثين، ويتبقى الثلث، للأب والأم لكل منهما سدساً.

قال تعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} (النساء: 11).

(4) إذا ماتت المرأة عن زوج، وأخت شقيقة، أو أخت لأب
، فلزوج النصف، وللأخت النصف.

(5) لو مات عن بنتين وأخ، فللبنتين الثلثان، والباقي وهو الثلث للأخ.

وهناك حالات ترث فيها المرأة أكثر من الرجل.

ومنها على سبيل المثال:

(1) لو مات وترك بنتاً وأماً وأباً؛ فالبنت ترث النصف، وللأم السدس، وللأب الباقي تعصيباً، فالبنت هنا ورثت أكثر من الأب.

(2) لو ماتت وتركت بنتاً وزوجاً وأباً.

فللبنت النصف، وللزوج الربع، والباقي للأب؛ وهنا البنت ورثت أكثر من الزوج ومن الأب، وهي أنثى.

(3) مات وترك بنتاً وبنت ابن وأماً وأباً.

للبنت النصف، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين، وللأب الباقي تعصيباً.

(4) مات عن بنت وابن ابن وأم.

للبنت النصف، وللأم السدس، ولابن الابن الباقي تعصيباً.

(5) مات عن زوجة وبنت وأخ.

للزوجة الثمن، وللبنت النصف، والباقي للأخ.

(6) ماتت عن زوج وأم وجد وأخوة لأم وأخوة لأب.

للزوج النصف، ولكل من الأم والجد السدس والباقي للأخوة لأب، والأخوة لأم محجوبون.

فالأم ورثت أكثر من نصيب الواحد من الأخوة لأب.

(7) مات عن أخت وأم وجد.

للأخت النصف وللأم الثلث والسدس الباقي للجد. فالجد وهو رجل ورث أقل من الأم ومن الأخت.

(8) فلو مات رجل عن: زوجة، بنت، أم، أختين لأم، أخ شقيق.

للزوجة الثمن، وللبنت النصف، وللأم السدس، والباقي للأخ الشقيق، ولا شيء للأختين لأم لأنهما محجوبتان بالبنت.

فالبنت أخذت أكثر من الأخ الشقيق.

(9) ولو ماتت إمرأة عن: زوج، بنت، أخت شقيقة، أخت لأب.

للزوج الربع، وللبنت النصف، والباقي للأخت الشقيقة، ولاأخت لأب حجبت بالأخت الشقيقة.

فالبنت ورثت أكثر من الزوج، وتساوت الأخت الشقيقة بالزوج.

(10) ماتت امرأة عن: زوج، ابنتي ابن، ابن ابن ابن.

للزوج الربع، ولابنتي ابن الثلثان، والباقي لابن ابن الابن.

فالواحدة من ابنتي الابن ورثة أكثر من الزوج وابن ابن الابن.

بل هناك حالات ترث المرأة ولا يرث الرجل مطلقًا، ومنها على سبيل المثال:

(1) مات عن بنت وأخت شقيقة وأخ لأب.

للبنت النصف، وللأخت الباقي وهو النصف، ولا شيء للأخ لأب.

لأن الأخوات مع البنات عصبة.

 (2) مات عن بنتين وأخوات شقيقات وأخوة لأب.

للبنتين الثلثان، والباقي للأخوات تعصيباً يوزع بينهن بالتساوي، ولا شيء للأخوة لأب.

(3) مات عن بنت وأخوات شقيقات وعم.

للبنت النصف، والباقي للأخوات، ولا شيء للعم.

(4) مات عن بنت ابن وأخت شقيقة وأخ لأب وأخ لأم.

للبنت النصف، والباقي للأخت ولا شيء للأخ لأب ولا للأخ لأم.

(5) ماتت عن زوج وأم وأب وبنت وأولاد ابن ذكور وإناث.

للزوج الربع وللأم السدس، وللأب السدس، وللبنت النصف، ولا يتبقى شيء لأولاد الابن، وهذه الحالة فيها عَوْلٌ.

(6) مات شخص عن: أم، وبنتين، وأختين لأب، وأخ لأم.

للأم السدس، والثلثان للبنتين، والباقي للأختين لأب، والأخ لأم محجوب بالبنتين.

وهكذا يتضح ببعض الأمثلة التي ذكرناها أن نصيب المرأة في الإرث في أغلب الحالات يتساوى أو يزيد على نصيب الرجل، فدل ذلك على فساد هؤلاء الذين لهم مآرب أخرى، بل هم بدعواهم يظلمون المرأة.

ومن الحكمة التي يذكرها العلماء في كون نصيب المرأة على النصف من نصيب الرجل في بعض الحالات : أن المرأة ليست مكلفة بالنفقة على نفسها أو بيتها أو أولادها، ولا تدفع هي المهر والصداق بل يدفعه زوجها، ثم إن ن الرجل تعتريه نوائب الزمان وهو المسؤول عن رعيته،قال ابن كثير رحمه الله : “فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ؛ وَذَلِكَ لِاحْتِيَاجِ الرَّجُلِ إِلَى مُؤْنَةِ النَّفَقَةِ وَالْكُلْفَةِ وَمُعَانَاةِ التِّجَارَةِ وَالتَّكَسُّبِ وتجشُّم الْمَشَقَّةِ، فَنَاسَبَ أَنْ يُعْطَى ضعْفَيْ مَا تَأْخُذُهُ الْأُنْثَى”.

وفي كل حالة من الحالات السالفة الذكر حكمة ربانية.

وفي النهاية لابد أن نرضى ونسلم لأوامر الله تعالى، قال الله في سورة الأحزاب { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}.

وأخيرًا: نقول لهؤلاء المتعالمين الجهال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المُتَشَبِّع بِمَا لَمْ يُعْطَ كلابِسِ ثَوْبَي زُورٍ) متفق عليه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

(1) راجع: تفنيد الشبهات حول ميراث المرأة في الإسلام:  أبو عاصم الشحات  البركاتي المصري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى