مقالات تاريخية

عوامل انتشار الإسلام في العصر الأموي (1)

عالمية رسالة التوحيد والأخلاق الحسنة

بقلم/ د. زين العابدين كامل

ذكرنا في مقالنا السابق، أن الإسلام انتشر في عصر بني أمية، ولا شك أن هناك عدة عوامل ساعدت على انتشار الإسلام في العصور المختلفة وفي العصر الأموي بصفة خاصة ومنها :

  • عالمية رسالة التوحيد ودين الإسلام :

لقد تعامل المسلمون في العصر الأموي مع الإسلام على أنه هو الدين الوحيد الذي يستحق التضحية من أجله، تعاملوا معه على أنه دين عالمي، وهذه هي الحقيقة الثابتة التي تؤيدها النصوص القاطعة، أن الإسلام دين عالمي، ورسالته للجنس البشري كله، لا لأمة دون أمة، ولا لشعب دون شعب، فمحمد رسول الله إلى الناس كافة ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا)) (سبأ، الآية: 28) ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)) (الأنبياء، الآية: 107). إلى غير ذلك من الآيات الكريمة التي توضح أن الرسالة الإسلامية للناس كافة، وأنها خاتمة رسالات السماء إلى أهل الأرض، فليس بعد القرآن الكريم كتاب من الله، وليس بعد محمد صلى الله عليه وسلم رسول ((مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)) (الأحزاب، الآية: 40) وقد قام بالتبشير بعالمية الدعوة ودعوة الأمم؛ قادة وعلماء، كموسى بن نصير، وقتيبة بن مسلم، ومحمد بن القاسم وغيرهم كثير ، فهم كانوا على درجة كبيرة من الفهم الشمولي لرسالة الإسلام ، فالرسالات قبله كانت محدودة في الزمان والمكان، فالإسلام دين لكل البشر، وهو منهج للحياة في كل زمان ومكان، وإذا تأملنا حال اليهود نراهم يدعون أن دينهم لهم فقط وليس لأحد أن يدخل فيه، أما الإسلام فهو دين عالمي، مع وجود الضابط، لا إكراه في الدين .

  • الأخلاق الحسنة والمعاملة الكريمة :

لقد أسلم كثيرون في عصر النبوة بسبب أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف كان يتعامل النبي الكريم مع الكفار، فلقد أسلم ثمامة بن أثال وغيره كثير بسبب حسن أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم في معاملته معهم، واستمر الأمر كذلك في عصر الخلفاء الراشدين، وظهر ذلك جليًا أثناء المعاهدات التي تمت مع غير المسلمين لتحدد طبيعة العلاقة وتنظم عملية التعامل، لاسيما في عصر الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولنتأمل نص عهد عمر بن الخطاب لأهل إلياء، والذي جاء فيه ” بسم اللَّه الرحمن الرحيم هذا ما أعطى عبد اللَّه عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من حيزها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود، وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن، وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوت ([1])، فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بِيَعهم وصلبهم فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم وصلبهم، حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان بها من أهل الأرض قبل مقتل فلان، فمن شاء منهم قعدوا عليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجع إلى أهله فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم، وعلى ما في هذا الكتاب عهد اللَّه وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية شهد على ذلك خالد بْن الوليد، وعمرو بْن العاص، وعبد الرحمن بْن عوف، ومعاوية بْن أبي سفيان وكتب وحضر سنة خمس عشرة ” ([2])، فهذا مثال واحد وعلى غراره كانت المعاهدات تقوم على نفس المبادىء، ولاسيما أن هذه المعاهدات ببنودها تحقق لهم الحرية والكرامة الإنسانية، ولم يكن العالم يعرف قبل ذلك مثل هذه المبادىء أثناء الحروب التوسعية، ثم أن الوفاء بما جاء في المعاهدات، كان سياسة ثابتة يسير عليها المسلمون، لأنهم يتقربون إلى الله تعالى بالوفاء بالعهود، حتى وإن نقض بعض أهل الأقاليم عهودهم، كما حدث هذا مع أهل أذربيجان وغيرهم .

 إن النماذج التي خرجها الإسلام من القادة والجنود قد اتصفوا بأخلاق حميدة وقيم سامية، فرفعت من المستوى الإنساني عند معتنقيها، فكان لها أثر كبير في إقبال أبناء البلاد المفتوحة على اعتناق الإسلام، فكم من أفواج من البربر دخلوا في الإسلام وقاتلوا في سبيله في عهد موسى بن نصير وكذلك في الهند، وبخاري وسمرقند وغير ذلك من البلدان، فالمسلمون لم يفتحوا البلاد ليدمروها ويذلوا أهلها، وينهبون خيراتها، وإنما ليعمروها ويعزوا أهلها، ويحرروهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ويخرجوهم من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، فهم أصحاب رسالة خالدة، تحمل للناس العدل والإنصاف وتحقق لهم الحرية والمساواة والكرامة الإنسانية، وبمجرد ما عرف الناس في البلاد المفتوحة أهداف المسلمين الحقيقية وتكشفت لهم حقيقة الإسلام، أسرعوا إلى اعتناقه بل وأصبحوا دعاة إلى دين الله تعالى ([3]).

 وللحديث بقية إن شاء الله.

[1])) أي: الصوص .

[2])) الطبري: تاريخ الرسل والملوك (3/609).

[3])) عبد الشافي : العالم الإسلامي في العصر الأموي ، ص 326،  و الصلابي: الدولة الأموية (2/58).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى