مقالات تاريخية

انتشار الإسلام في العصر الأموي

انتشار الإسلام في العصر الأموي

بقلم/ د. زين العابدين كامل

لقد ذكرنا في مقالات سابقة، أن الدولة الأموية حفلت بكثير من الإنجازات في عصرها، منها ما يخص حركة الفتوحات ونجاح السياسة التوسعية للدولة، وهذا من سطرناه في الصفحات السابقة، فلقد سلطنا الضوء على الفتوحات البحرية والبرية في بلاد المغرب والأندلس وفي بلاد المشرق، وكيف امتدت فتوحاتهم حتى وصلت إلى حدود الصين وجنوب فرنسا، وكيف استطاع الأمويون أن يوطدوا دعائم دولتهم في البلاد التي فتحوها،رغم ما ضمته هذه البلاد المفتوحة من أجناس وشعوب تحمل ديانات وثقافات مختلفة عن العرب، ويبقى أن نتحدث عن الإنجازات الحضارية  في عصر بني أمية .

مفهوم الحضارة:

لا شك أن مفهوم الحضارة هو مفهوم واسع ومتشعب ، ولقد تناولت مؤلفات كثيرة حضارات الأمم المختلفة ، ولكن لم تتفق تلك المؤلفات على نهج واحد ومفهوم موحد للحضارة ، بل ربما اختلفوا في أسلوب دراسة الحضارة أيضًا ، وقد اهتم ابن خلدون في مقدمته بشأن الحضارة والبداوة والعمران وتعريف هذه المصطلحات ، ولكننا يمكن أن نلخص مفهوم الحضارة بأن نطلقه على شيئين أساسيين :

  • أن الحضارة تعني التقدم والرقي الإنساني في مختلف الميادين العلمية والإجتماعية والإقتصادية ونحو ذلك ، بما ييسر للإنسان حياة أفضل .

  • أن الحضارة هي سلوك الإنسان وأخلاقه وتصرفاته ومعاملاته مع نفسه ومع غيره ، والحضارة عمومًا هي عكس البداوة ، ولعلها جاءت من كلمة الحضور أو التجمع والاستقرار حول شىء هام مثل موارد المياه ، ومنها جاءت كلمة الحاضرة أو الحضرة ، بمعنى القاعدة أو المدينة أو العاصمة ، ولقد ميز العرب قديمًا بين البدو والحضر أو بين البداوة والحضارة ، وأطلقوا عليهما كلمات تميز بينهما مثل :الوبر والمدر والحدر والحجر ([1]) ، وخلاصة القول وبعبارة أخرى أكثر شمولا نقول ، الحضارة هي: الحصيلة الشاملة للمدنية، والثقافية، والفكر، ومجموع الحياة، في أنماطها المادية والمعنوية ([2])

انتشار الإسلام في العصر الأموي:

لعل من الموضوعات الهامة التي يجب أن يتبناها الباحثون، قضية انتشار الإسلام ونشره بين الناس في العصر الأموي، حيث أن غالب المؤرخين والباحثين يهتمون غالبًا بالأحداث السياسية والمعارك والثورات ونحو ذلك، لكننا نريد أن يتم طرح قضية انتشار الإسلام كموضوع مستقل، فلم يأخذ هذا الموضوع حظه المناسب من الباحثين، فهذا الموضوع يحتاج إلى من يتبناه من الباحثين وهو يحتاج إلى جهد، حيث أن المعلومات المتوفرة حول هذا الموضوع هي عبارة عن معلومات متناثرة في بطون الكتب، وفي هذا الصدد يقول الدكتور عبد الشافي “وعلى الرغم من نشاط الكتاب والمؤرخين المسلمين في العصر الحديث، فإن موصوع انتشار الإسلام لم يحظ أيضًا بالقدر الذي يستحقه من اهتمامهم، فلا تزال الكتب التي تناولته محدودة العدد والمساحة الزمانية والمكانية، ومن العجيب أن يكون من أوائل من تصدروا لهذا الموضوع هو الباحث الإنجليزي توماس أرنولد ([3])  في كتابه المترجم بعنوان ” الدعوة إلى الإسلام ”

ولعله أوفى كتاب في موضوعه حتى مطلع القرن العشرين ” ([4]).

إن الواقع التاريخي يشهد أن الفتوحات التي شهدها العصر الأموي ،لم تكن عسكرية فحسب، بل احتوى الفتح على نشر اللغة العربية وأحكام الشريعة الإسلامية، ونشر القرآن والسنة والعلوم الدينية، حتى أصبح الدين الإسلامي هو الدين الغالب في سماحة، والمسيطر في رحمة، والحاكم في عدل، فلم يظلم المسلمون أحدًا ولا أذلوه ولا أهانوه بسبب نصرهم عليه، بل تعاملوا بكل ما سماحة وخلق حسن، لقد احترم المسلمون الإنسان كإنسان، ولقد رأى أصحاب البلاد الفتوحة ذلك في معاملة المسلمين لهم، وكذا من خلال العهود والمعاهدات التي كانت بينهم، ولا شك أن هناك عدة عوامل ساعدت على انتشار الإسلام في العصور المختلفة وفي العصر الأموي بصفة خاصة، وهذا ما سنذكره في المقالات القادمة بمشيئة الله تعالى.

 

 

[1] أحمد مختار العبادي : دراسات فى تاريخ الحضارة الإسلامية العربية، ص 5-6 .
[2] أحمد عبد الرحيم السايح: الحضارة الإسلامية ، ص70 .
[3] المستشرق توماس وولكر آرنولد ” Thomas Walker Arnold  ” ولد في إنجلترة في 19 أبريل سنة 1864م ، وتعلم أولاً في مدرسة بلايموث الثانوية ، ثم انتقل في سنة 1880م للدراسة في مدرسة (مدينة لندن ) ، ثم التحق بكلية المجدلية في جامعة كمبردج في سنة 1882م ،ثم انتقل للعمل باحثاً في جامعة علي كرا (عليكرا) في الهند ، ولما أسست ” مدرسة الدراسات الشرقية ” في جامعة لندن في سنة 1917م ، دعي آرنولد للتدريس فيها، وكان أول من شعل كرسي اللغة العربية والدراسات الإسلامية كلها، وفي أوائل سنة 1930م دعته الجامعة المصرية (جامعة القاهرة الآن) أستاذاً زائراً، وبعد أن أمضى النصف الثاني من العام الجامعي 1929- 1930م في التدريس بقسم التاريخ في الجامعة المصرية عاد إلى لندن في 25 مايو سنة 1930م ، لكنه ما لبث أن توفي في 9يونيو سنة 1930م، وأما عن كتابه ” الدعوة إلى الإسلام” فهو عبارة عن بحث في تاريخ نشر العقيدة الإسلامية ، كتب في طبعته الأولى باللغة الإنجليزية ، ثم ترجمه وعلق عليه  : د. حسن إبراهيم حسن د. عبد المجيد عابدين د. إسماعيل النحراوي، تناول الكتاب قضية انتشار الإسلام عبر التأريخ بدأ من الداعية الأول رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم مروراً بانتشاره أيام الخلافة الراشدة وما بعدها من فترات الفتوحات الإسلامية ، مركزاً فيها على قضية التسامح الديني في ذلك الانتشار،وهو ما يشير إليه آرنولد في كتابه في معرض حديثه عن التسامح الديني للمسلمين ، ولعا القارىء يلمح من كلام آرنولد عن التسامح الديني في الانتشار الإسلامي رائحة إماتة الروح الجهادية عند المسلمين ، ومن باب الإنصاف نقول: إن أرنولد من أكثر المستشرقين إنصافاً للإسلام، وما أخذه البعض على كتابه المذكور لا يقدح فيه في الجملة ، فهناك من الدعاة والباحثين المسلمين من يسلطون الضوء دومًا على قضية التسامح ، وهذا ما قام به آرنولد .
[4] عبد الشافي : العالم الإسلامي في العصر الأموي ص 317 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى