جهود معاوية بن أبي سفيان وإنجازاته (2)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد اهتم معاوية رضي الله عنه بفتوحات الشمال الإفريقي، فكانت جبهة شمال إفريقيا من أولى الجبهات التي وجَّه إليها معاوية اهتمامه؛ لأنها تتاخم وتلاصق حدود مصر الغربية من ناحية، ومن ناحية أخرى: فهي تخضع لنفوذ الدولة البيزنطية؛ ففي أول سنة من حكمه 41 هـ أرسل معاوية رضي الله عنه معاويةَ بن حديج على رأس حملة إلى إفريقيا ثم أرسله ثانية سنة 45 هـ على رأس حملة من عشرة آلاف مقاتل، فمضى حتى دخل إفريقيا ثم تم فتح مدينة جلولاء.
ثم كانت حركة الفتوحات بقيادة عقبة بن نافع القرشي الفهري، وكان عقبة قد شارك في غزو إفريقيا منذ البداية مع عمرو بن العاص، واكتسب في هذا الميدان خبرات واسعة، وكان عمرو بن العاص قد خلفه على برقة عند عودته إلى الفسطاط، فظل فيها يدعو الناس إلى الإسلام، وقد جاء إسناد القيادة إلى عقبة بن نافع خطوة موفقة في طريق فتح شمال إفريقيا كله، فلما أسند إليه معاوية بن أبي سفيان قيادة الفتوحات في إفريقيا، أرسل إليه عشرة آلاف فارس، وانضم إليه من أسلم من البربر فكثر جمعه، وسار في جموعه حتى نزل بمغمداش من سرت.
ثم واصل فتوحاته فتح قصور كُوّار، وخاور، وغدامس، وغيرها، وفي عام 50 هـ بدأت إفريقيا الإسلامية عهدًا جديدًا مع عقبة بن نافع الذي عَلِم أن السبيل الوحيد للمحافظة على إفريقيا، ونشر الإسلام بين أهلها هو إنشاء مدينة تكون محط رحال المسلمين، ومنها تنطلق جيوشهم فأسس مدينة القيروان وبنى جامعها.
ثم كانت هناك فتوحات كثيرة في الجناح الشرقي للدولة، تمثَّلت في خراسان وسجستان، وما وراء النهر، فتم فتح مدينة زرنج، صلحًا ثم تقدَّموا نحو مدن خواش، وبست، وخُشَّك، وغيرها من البلدان وتمكَّنوا من فتحها، كما تمكنوا من فتح مدينة كابل بعد أن ضربوا عليها حصارًا استمر لعدة أشهر.
وما لبث أن جعل معاوية رضي الله عنه إقليم سجستان ولاية مستقلة، وأمَّر عليها عبد الرحمن بن سمرة كمكافأة له على تحقيقه مثل تلك الفتوحات، ثم تمكن المسلمون في عهد معاوية رضي الله عنه من بسط نفوذهم على ما وراء نهر السند، ففي سنة 44 هـ، غزا المهلب بن أبي صفرة ثغر السند فأتى بَنَّة، ولاهور، وهما بين المًلتان وكابل، ثم تم فتح بلاد القيقان، وقُنْدُهار، وغيرهما من البلدان، وهكذا كثرت الفتوحات الإسلامية في عهد معاوية رضى الله عنه.
وقد تطورت صناعة السفن في عصر معاوية حيث أمر معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، بإنشاء دار لصناعة السفن بالشام بمدينة عكا، وقد استقدم من مصر الخبراء للاستفادة منهم في دار الصناعة الجديدة، والتي تميَّزت بسهولة حصولها على الأخشاب من جبال لبنان، ثم تطورت هذه الصناعة، فأنشأت في مصر منطقة صناعية جديدة؛ خاصة بصناعة السفن الحربية، وذلك عام (54هـ – 674م).
وأخيرًا: هذا غيض من فيض حول الجهود الذي بذلها الصحابي الجليل معاوية خال المؤمنين وخير ملوك المسلمين.
ونسلِّط الضوء في مقالنا القادم بمشيئة الله تعالى نحو فضائل معاوية وثناء أهل العلم الفضل عليه.