
بقلم/ د. زين العابدين كامل سيد
لعل فتح مصر في عصر الخليفة الأواب عمر بن الخطاب من أسهل الفتوحات ، حيث إن المسلمين لم يكونوا يحاربون الشعب المصري، بل ساعد المصريون الجيش الإسلامي خلال عملية الفتح، وذلك لما كانوا يرونه من أنواع العذاب والاضطهاد من قبل البيزنطيين، لفقد رحب الشعب المصري بقدوم المسلمين، ولم يشارك في مقاومتهم، وهذه الصورة السيئة التي من الإضطهاد الديني الذي مارسه البيزنطيون في مصر لحمل أهلها على مذهب وعقيدة معينة، حل محلها صورة وضيئة بيضاء سمحة، وذلك مع مجيء المسلمين، حتى إن بعض النصارى من المصريين أسلموا مع بداية الفتح مباشرة، وشاركوا الفاتحين في فتحهم لمصر، ومما يؤكد على كثرة أعداد الداخلين في الإسلام، نقص الجزية، فهذا هو المؤشر الحقيقي على انتشار الإسلام في مصر في العصر الأموي، فقد نقصت الجزية من اثني عشر مليون دينار في عصر عثمان رضي الله عنه،إلى خمسة ملايين في عصر معاوية رضي الله عنه، ثم بلغ النقص مداه في عصر عمر بن عبد العزيز ، علمًا بأنه في عصر هشام بن عبد الملك دخل أربعة وعشرون ألفًا الإسلام دفعة واحدة، وكان ذلك عام 108 هــ، وهكذا استمر دخول نصارى مصر في الإسلام حتى أصبح المسلمون يشكلون أغلبية السكان، وانتشرت اللغة العربية، ثم إن بقاء أعدادًا من النصارى على دينهم حتى وقتنا الحاضر لهو خير دليل على سماحة الإسلام عبر الأزمنة المختلفة، وأن الذين دخلوا الإسلام دخلوه طواعية واختيارًا، لاسيما وأن الأثار النبوية الكثيرة التي أوصى فيها النبي صلى الله عليه وسلم بحسن معاملة قبط مصر عند فتحها ، كان لها أثر بالغ في ماهية العلاقة بين الطرفين ([1]) .
[1])) توماس أرنولد: الدعوة إلى الإسلام .

