فليكن شعارك: لن يسبقني إلى الله أحد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،
قال وهيب بن الوِرد: “إن استطعت أن لا يسبقك إلى الله أحد فافعل“.
فمن علامات صحة الإيمان في القلب المسارعة إلى مرضاة الله تعالى، والتسابقُ إلى الخيرات، والتنافسُ في الصالحات مَطْلَبٌ شرعي، قَالَ تعالى: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [الحديد: 21]. ولقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين الصالحين بالمسارعة إلى الصالحات والمسابقة في عمل الخيرات، قال سبحانه ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: 148]. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْظُرُونَ إِلاَّ فَقْرًا مُنْسِيًا أَوْ غِنًى مُطْغِيًا أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا أَوِ الدَّجَّالَ فَشَّرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوِ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ». (أخرجه الترمذي قال هذا حديثٌ حسنٌ غريب).
ولقد تعلم الصحابة الكرام رضوان الله عليهم هذا الخلق العظيم، فعَنْ أَسْلَمَ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – أَنْ نَتَصَدَّقَ، فَوَافَقَ ذَلِكَ عِنْدِي مَالا، فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، قَالَ: فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟ قُلْتُ: مِثْلَهُ، وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟ قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللهَ وَرَسُولَهُ، قُلْتُ: وَاللهِ، لاَ أَسْبِقُهُ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا. (أخرجه والدارمىِ وأبو داود) فتأمل حال الصحابة وعلو همتهم في السبق إلى الله تعالى. وقال الحسن: رحمه الله: “من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنياك فألقها في نحره”.
والمسابقة إلى الخيرات خلق لا يتصف به إلا المؤمن الصادق. والتسابق في الخير دليل على حسن الإيمان وصدق اليقين بالله تعالى، فلقد وصف الله المؤمنين الخالصين بأنهم هم الذين يسارعون في الخيرات طلبا للصلاح والفلاح، قال تعالى: ﴿لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ﴾.
ولقد أثنى النبي – صلى الله عليه وسلم – على الأشعريين من أهل اليمن بأنهم كانوا يتعاونون ويتسابقون في الخير وفى النفقة فى سبيل الله، فعَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أبِي مُوسَى، قال: قال النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أرْمَلُوا فِي الْغَزْو، أَوْ قل طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ، جَمعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بالسَّويَّةِ، فَهُمْ منِّي، وَأَنَا مِنْهُمْ. (أخرجه البخاري).
والمسارعة إلى الخيرات دليل على حب الله تعالى للعبد، وأنه قد اختاره ليجعله في الأرض مفتاحا من مفاتيح الخير، قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾. وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ، مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ، مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ.(أخرجه ابن ماجة).
لذا فقد كان من دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم -: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي، وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةَ قَوْمٍ، فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ، أَسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى حُبِّكَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّهَا حَقٌّ، فَادْرُسُوهَا، ثُمَّ تَعَلَّمُوهَا». (أخرجه أحمد).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. قَالَ فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. قَالَ فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. قَالَ فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّة». (أخرجه البخاري في الأدب المفرد ومسلم). فتأمل حال الصديق رضى الله عنه، وكيف كان حرصه على فعل أنواع الطاعات المتنوعة، فالمسارعةُ والمسابقةُ في الخيرِ صفةٌ من صفاتِ المؤمنين الموحدين، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ [المؤمنون: 57 – 61].
وفي الجنةِ تَتَفَاضَلُ الدرجات بَحَسَبِ السَّبْقِ والمسارعةِ: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) [الواقعة: 10 – 12]. وتَأَمَّلْ قَولَ النبيِّ – صلى الله عليه وسلم – حَاثَّاً على المُبادَرَةِ، والمُسَارَعة كما في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ -أي التبكير- لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا».
يقول ابن القيم: “فالسابقون في الآخرة إلى الرضوان والجنات هم السابقون في الدنيا إلى الخيرات والطاعات، فعلى قدر السبق هنا يكون السبق هناك”.
فهيا بنا يا عباد الله نتسابق فى فعل الخيرات، فمن الناس من تنشط إرادته وتقوى همته على جمع المال، لا ينام الليل والنهار، ومن الناس من تنشط همته، وتقوى إرادته في البحث عن متعة من متع الدنيا الزائلة، فهيا بنا يا عباد الله نتسابق في فعل الخيرات في الصدقة وحفظ القرآن وإدراك تكبيرة الإحرام وصيام التطوع وحضور مجالس العلم وفي إصلاح ذات البين وفي غير ذلك من أنواع الطاعات والقربات، وليكن شعارنا، لن يسبقني إلى الله أحد، والله المستعان.