مقالات تاريخية

هل عُمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين حقًا؟

هل عُمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين حقًا؟

المشهور عند الناس أن خامس الخلفاء الراشدين هو الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز، والسبب في ذلك ما تناقله العلماء قديمًا وحديثًا عند تناول سيرته.

ولعل أول من أطلق هذا القول هو الإمام سفيان الثوري رحمه الله([1])، ومن بعده الشافعي([2])، وأَبو بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ([3]).

ثم تناقلها من بعدهم أمثال الإمام السيوطي([4])، والإمام السخاوي

([5])، وانتشرت أكثرَ في كتابات المعاصرين الذين أفردوا لسيرته التأليف، أمثال الأستاذ عبد الستار الشيخ، والأديب عبد الرحمن العشماوي([6]) وغيرهم.

لكن مع الأسف إطلاق هذا اللقب على عُمر بن عبد العزيز خطأ كبير؛ لأنه يغمِط حق الخليفة الخامس الفعلي.

من هو خامس الخلفاء الراشدين؟

سواء على الترتيب الزمني أو على النهج الراشدي أو على المكانة والمنزلة أو على الإنجاز السياسي، فإن الأحق بهذا اللقب هو الحسن بن علي  سبط رسول الله وحفيده.

فقد كانت بيعة الحسن بن علي  في شهر رمضان من سنة 40هـ وذلك بعد استشهاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ﭬ على يد الخارجي عبد الرحمن بن ملجم المرادي([7])، واستمر أمير المؤمنين الحسن بن علي بعد بيعته خليفة على الحجاز واليمن والعراق وغير ذلك نحو سبعة أشهر، وقيل: ثمانية أشهر، وقيل: ستة أشهر، وكانت خلافته هذه المدة خلافة راشدة حقة؛ لأن تلك المدة كانت تتمة لمدة الخلافة الراشدة التي أخبر النبي ﷺ أن مدتها ثلاثون سنة ثم تصير مُلكًا([8])، فقد روى الترمذي بإسناده إلى سفينة مولى رسول الله ﷺ قال: قال رسول الله ﷺ: «الخِلَافَةُ فِي أُمَّتِي ثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ مُلْكٌ بَعْدَ ذَلِكَ»([9])، وقد علق الإمام ابن كثير على هذا الحديث فقال: وإنما كملت الثلاثون بخلافة الحسن بن علي، فإنه نزل عن الخلافة لمعاوية في ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين، وذلك كمال ثلاثين سنة من موت رسول الله ﷺ فإنه توفي في ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة، وهذا من دلائل النبوة صلوات الله وسلامه عليه وسلم تسليمًا([10]).

فخلافة الحسن بن علي  تتمة لمدة الخلافة الراشدة، وبذلك يكون الحسن خامس الخلفاء الراشدين ﭫ.

وعند الإمام أحمد من حديث سفينة أيضًا بلفظ: «الْخِلَافَةُ ثَلَاثُونَ عَامًا، ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ الْمُلْكُ»([11]). وعند أبي داود بلفظ: «خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُلْكَ (أَوْ مُلْكَهُ) مَنْ يَشَاءُ»([12])، ولم يكن في الثلاثين بعده ﷺ إلا الخلفاء الأربعة وأيام الحسن.

وقد قرر جمع من أهل العلم -عند شرحهم للحديث السابق- أن الأشهر التي تولى فيها الحسن بن علي  بعد موت أبيه كانت داخلة في خلافة النبوة ومكملة لها، منهم: أبو بكر بن العربي([13])، والقاضي عياض([14])، والحافظ ابن كثير([15]) وابن أبي العز([16])، والمناوي([17])، وابن حجر الهيتمي([18])، وغيرهم.

ما السبب وراء هذا الخلط؟

يعود السبب في اشتهار عمر بن عبد العزيز بلقب الخليفة الخامس أنه نموذج فريد من أبناء بني أمية في العدل واستقرار الملك ورعاية الناس ورد المظالم إلى الشعب من أهله. وهذا يفسر قول سفيان الثوري الذي بالاستقراء المتاح يعد هو أول القائلين بأنه خامس الخلفاء.

قال: «الْخُلَفَاءُ خَمْسَةٌ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ»([19]). هذا إن قَبلنا الرواية وإلا ففي سندها انقطاع كما ذكر الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود.

وسفيان مولود عام 97 هـ وعمر بن عبد العزيز توفي عام 101هـ فلا شك أنه نشأ صبيًّا على ذكر عدل عُمر الذي ملأ الآفاق، فعَدَّ الخلفاء باعتبار ذلك، وفي رواية ابن عساكر تصريح بذلك قال سفيان: أئمة العدل خمسة، أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ وعمر بن عبد العزيز([20]).

فهو تِعداد خاص بالإمام الثوري من حيث اشتراكهم في خصيصة واحدة، ومثل هذا قول قَاضِي البَصْرَةِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيِّ: «الخُلَفَاءُ ثَلاَثَةٌ: أَبُو بَكْرٍ يَوْمَ الرِّدَّةِ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، فِي رَدِّ المظَالِمِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، وَالمُتَوَكِّلُ فِي مَحْوِ البِدَعِ، وَإِظْهَارِ السُّنَّةِ»([21]).

فهذا تعداد خاص به أيضًا من جهة أخرى ولتكن «مواجهة الفتن العظيمة»، لكن لا يعني هذا أن إبراهيم بن محمَّدٍ يُسقط خلافة عمر بن الخطاب أو عثمان أو علي!!

نقول هذا توضيحًا لأن بعض المتشيعة يرمون التهم لقول هؤلاء الأئمة في عمر بن عبد العزيز.

هذا عن المتقدمين من الأئمة، أما المتأخرون فإطلاقهم لا شك خطأ كبير لا نرى له مسوِّغًا.

وعمر بن عبد العزيز على جلالته وعدله وإمامته فإنه لا ينبغي أبدًا أن يسبق منزلة الحسن بن علي لصحبته وسبقه ونسبه للنبي ﷺ بل والإنجاز السياسي الذي لم يحققه أحد من قبله؛ وهو الإصلاح بين المسلمين وحقن دمائهم بتنازله عن الخلافة لمعاوية.

بل كذلك لا يسبق عمر بن عبد العزيز معاوية ﭬ لصحبته وفضله وسبقه.

وقد أحسن الإمام الذهبي إذ قال عن عمر بن عبد العزيز: «وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الاجْتِهَادِ، وَمِنَ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِيْنَ»([22]).

فهو من الخلفاء الراشدين وليس الخامس في المنزلة لكنه على هديهم وطريقتهم.

قال ابن كثير$: وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ قَاطِبَةً عَلَى أَنَّهُ [أي: عمر] مِنْ أَئِمَّةِ الْعَدْلِ، وَأَحَدُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ. وَذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ فِي الْأَئِمَّةِ الِاثْنَيْ عَشَرَ، الَّذِينَ جَاءَ فِيهِمُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ: «لَا يَزَالُ أَمْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مُسْتَقِيمًا حَتَّى يَكُونَ فِيهِمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ»([23]).

لذلك وجب علينا أن نصحح ذلك ونقول: الحسن بن علي  خامس الخلفاء الراشدين.. وعمر بن عبد العزيز منهم.

كتبه/

أحمد المنزلاوي

عضو اتحاد كتاب مصر

([1]) «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (4/ 119).

([2]) آداب الشافعي 189، ومناقب البيهقي 1/ 448، وتاريخ دمشق لابن عساكر 14/ 407

([3]) البداية والنهاية (12/ 695-696).

([4]) تاريخ الخلفاء، ص 171.

([5]) التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة 2/ 347.

([6]) لكل منهما كتاب بعنوان «عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين».

([7]) الطبقات الكبرى (3/ 35 ـ 38) تحقيق د. إحسان عباس.

([8]) عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة (2/ 743).

([9]) سنن الترمذي (2226)، وصححه الألباني.

([10]) البداية والنهاية (11/ 134).

([11]) مسند الإمام أحمد، وقال الأرنؤوط: إسناده حسن.

([12]) سنن أبي داود (4646)، وقال الألباني: حسن صحيح.

([13]) «أحكام القرآن» لابن العربي (4/ 1720).

([14]) شرح النووي على صحيح مسلم (12/ 201).

([15]) البداية والنهاية (11/ 134).

([16]) شرح الطحاوية ص 545.

([17]) فيض القدير (2/ 409).

([18]) الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة (2/ 397).

([19]) أخرجه أبو داود في سننه (4631) وابن الأعرابي في معجمه (1703).

([20]) مختصر تاريخ دمشق (19/ 113).

([21]) سير أعلام النبلاء (9/ 444)، وفوات الوفيات (1/290)، وتاريخ الخلفاء ص346، والنجوم الزاهرة 2 / 375.

([22]) سير أعلام النبلاء (5/ 114).

([23]) البداية والنهاية (12/ 695-696).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى