مقالات تاريخية

انتشار الإسلام في المغرب

انتشار الإسلام في المغرب

 بقلم/ د. زين العابدين كامل سيد

أتم المسلمون فتح بلاد المغرب مع نهاية القرن الأول الهجري، وقد شمل هذه الفتح الشمال الإفريقي بأكمله، من حدود مصر الغربية وحتى المحيط الأطلسي، ولقد عانى المسلمون كثيرًا في تلك الفتوحات وذلك يرجع إلى مقاومة البربر العنيدة، وذلك قبل معرفتهم بحقيقة الإسلام والغرض من الفتوحات.

وقد كان سكان بلاد المغرب يتألفون من ثلاثة عناصر رئيسية:

 أولهم البربر، وهم: عبارة عن جيل وشعوب وقبائل أكثر من أن تُحصى، ثم الأفارقة وهم ليسوا من أصلٍ واحدٍ، ثم الروم الذين حكموا هذه البلاد وسيطروا عليها فترة كبيرة من الزمن، وقد واجه المسلمون هؤلاء جميعًا على اختلاف ثقافتهم وديانتهم، ففي بلاد المغرب وجدت المسيحية والوثنية، وقد دخلت المسيحية بلاد المغرب منذ القرون الأولى للميلاد ولاقت قبولًا عند بعض السكان، ومن هنا كثرت الكنائس في المغرب، ولكن سرعان ما اختفت الديانة المسيحية أو أوشكت على الاختفاء منذ دخول الفتح الإسلامي.

وذلك يعود إلى عدة أسباب، منها: اختلاف النصارى فيما بينهم حول طبيعة المسيح عليه السلام، ثم محاولة هرقل فرض مذهبه (مذهب المشيئة الواحدة) بالقوة والقهر، ثم دخول المذهب اليعقوبي بلاد المغرب بعد فرار أهله من مصر، وهكذا دخل المسيحون في دوامة من الخلافات العقدية أضعفت من قوة ديانتهم، ثم إن الديانة المسيحية هي أصلًا ديانة معقدة في ذاتها، وربما تستعصي على كثيرٍ مِن العقول؛ لذلك انتشر الإسلام بسرعة في بلاد المغرب في عصر الخلفاء الراشدين، بل دخل بعض ملوك البربر في الإسلام في عصر الخلفاء الراشدين، ثم زاد انتشار الإسلام بعد دخول عقبة بن نافع بلاد المغرب وتأسيسه لمدينة القيروان.

ويعلل الدكتور حسين مؤنس([1]) سبب انتشار الإسلام بين البربر في مراحله المبكرة: بضعف تأثير الديانة المسيحية على البربر، ثم وجود العداوة القديمة بين البربر والروم([2])، وقد ذكرنا أثناء حديثنا عن فتوحات أبي المهاجر في بلاد المغرب، السياسة التي اتبعها وسلكها أبو المهاجر مع البربر، وهذه السياسة قد ساعدت بشكلٍ كبيرٍ على تأليف قلوب كثيرٍ منهم، حتى أسلم كسيلة -كما ذكرنا-، والذي كان إسلامه مِن الأحداث الكبيرة في المغرب.

ثم إن أبا المهاجر كان كلما فتح مدينة أقام بها مسجدًا ودعا الناس إلى الدخول في الإسلام، ثم بعد عودة عقبة إلى المغرب مرة أخرى أسلم على يديه خلقٌ كثيرٌ مِن البربر، وقد نجح حسان بن النعمان أيضًا في نشر الإسلام، وقد ذكرنا أنه أحسن إلى أهل الكاهنة وأولادها وقومها، وقد أسلم على يديه من أتباع الكاهنة: اثنا عشر ألفًا من البربر دفعة واحدة، ولم ينصرف حسان إلا بعد أن فشا الإسلام وانتشر بين الناس؛ لأن نشر الإسلام وهداية البشرية هو الهدف الأسمى لهؤلاء القادة.

وقد ضرب حسان رحمه الله المثل العليا في تحقيق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى”([3]).

وهكذا فعل موسى بن نصير رحمه الله بعد أن أتم فتح المغرب كله، فعمل على نشر الإسلام بين الناس لا سيما البربر، فعندما عيَّن مولاه طارق بن زياد على طنجة، ترك معه سبعة عشر ألفًا من العرب واثني عشر ألفًا من البربر، كلهم مسلمون، وأمر العرب أن يعلموا البربر القرآن وأن يفقهوهم في دين الإسلام، وهناك مِن البربر مَن قام بتحويل دور العبادة النصرانية إلى مساجد، وهذا يدل -بلا شك- على اقتناعهم بدين الإسلام، وأنهم دخلوه طواعية لا كرهًا.

وعندما تولى عمر بن عبد العزيز أمر الخلافة، جعل همه الأول هو نشر الإسلام، وأوقف حركة الفتوحات، وكاتب الملوك والرؤساء يدعوهم إلى الإسلام برفق ورقة ولين، وقد أولى بلاد المغرب عناية فائقة، وقد اختار لولاية المغرب رجلًا صالحًا تقيًّا، وهو: إسماعيل بن أبي المهاجر، ثم أرسل عشرة من التابعين ليعلموا الناس أمور دينهم، وقد قام هؤلاء العشرة ببناء بعض المساجد وأصبح الناس يفدون إليهم من كل مكان ليتعلموا أمور الدين، واستقرت الأوضاع في بلاد المغرب، وثبَّت المسلمون أقدامهم ودخل الناس في دين الله أفواجًا، وأصبحت بلاد المغرب إسلامية عربية خالصة، واختفت الأديان القديمة والمذاهب المنحرفة، وازدهرت الحركة العلمية، وكثر العلماء، ومن هنا ساهمت بلاد المغرب في تشييد حضارة الإسلام.

([1]) هو: كاتب وَمُفكر ومؤرخ مصري، ولد في مدينة السويس في 4 رمضان 1329هـ الموافق 28 أغسطس 1911م، وحصل على ليسانس الآداب- قسم التاريخ من كلية الآداب، جامعة القاهرة. ثم حصل على درجة الماجستير، ثم الدكتوراة من جامعة زيورخ بسويسرا، عام 1943م، وله مؤلفات عديدة في تاريخ بلاد المغرب والأندلس لا يَسغني عنها باحث التاريخ. وقد وافته المنية في 27 شوال 1416هـ الموافق 17 مارس 1996م.  
([2]) فتح العرب للمغرب، حسين مؤنس (ص 284).
([3]) رواه أحمد (23489)، وقال الألباني: “صحيح لغيره”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى